أمريكا وخريطة طريق التغلب على الجائحة

  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

بعد عام كامل من الزيادة المطردة في أعداد الإصابات بعدوى (كوفيد 19)، ربما أصبحت الولايات المتحدة أخيراً عند نقطة انقلاب.

يمثل الانخفاض الإجمالي الأخير في عدد الإصابات الجديدة الفرصة للقضاء أخيراً على الفيروس داخل حدود الولايات المتحدة، والبدء في استئصاله عالمياً.

لكن نافذة الفرصة هذه قد لا تظل مفتوحة لفترة طويلة، نظراً لظهور أشكال جديدة من الفيروس أشد عدوى، فضلاً عن عودة ظهور حالات الإصابة بالعدوى في بعض أجزاء من الغرب الأوسط.

من المحتمل أن تكون الانخفاضات الأخيرة راجعة إلى مناعة السكان الموسمية (فيروسات كورونا في عموم الأمر عدوى موسمية)، والتطعيم، والالتزام المتجدد بتدابير السلامة مثل أقنعة الوجه والتباعد الاجتماعي.

وإذا تمكنت الولايات المتحدة من الحفاظ على هذه الممارسات واحتواء أشكال الفيروس الجديدة، فإنها تستطيع خفض عدد الإصابات إلى نحو 3000 يومياً بسرعة، وعند هذه النقطة يصبح من الممكن القضاء على انتقال العدوى على المستوى المحلي من خلال نشر الاختبارات السريعة على نطاق واسع، وتتبع المخالطين، والعزل الإلزامي.

لا شك أن كثيرين يرون ان هذه تامهمة شاقة. لكن أستراليا، وبوتان، والصين، ونيوزيلندا، وسنغافورة، وتايوان، ودولاً أخرى، استخدمت هذا النهج على وجه التحديد للإبقاء على عدد الإصابات عند مستوى أقرب إلى الـصِـفر ووقف انتشار سلالات جديدة. وإذا تمكنت الولايات المتحدة من تبني ذات الاستراتيجية الثلاثية الشعب، ثم ساعدت بلداناً أخرى على فعل الشيء ذاته، فسوف يصبح خلو العالم من مرض فيروس كورونا قاب قوسين أو أدنى.

تُـجري الولايات المتحدة حاليا نحو 1.5 مليون اختبار يومياً، وهذا الرقم بعيد تماماً عن المطلوب لاحتواء الجائحة (وإن كان أفضل من الأداء السابق في الآونة الأخيرة). لتعويض النقص، لابد من إتاحة الاختبارات السريعة الذاتية على نطاق واسع بالمجان في كل مدرسة ومحل عمل ومؤسسة عامة. ويجب أن يكون الهدف اختبار كل أمريكي مرتين على الأقل أسبوعياً.

واختبارات الشرائط الورقية البسيطة وغير المكلفة موجودة بالفعل، لكنها لم تُـعـتَـمَـد بعد على نطاق واسع من قِـبَـل الحكومة الفيدرالية، ربما بسبب عدم حساسيتها النسبية مقارنة بالاختبارات الممتازة المتاحة اليوم. ولكن حتى لو سلمت الاختبارات نتائج إيجابية أو سلبية غير صحيحة أكثر من غيرها، فإن تكلفتها المنخفضة وتوافرها على نطاق واسع يسمحان للناس باختبار أنفسهم مرة أخرى في المنزل.

بعيداً عن الاختبار، يتعين على الولايات المتحدة أن تتولى أخيراً مهمة تتبع المخالطين والعزل الإلزامي. في الوقت الحالي، لا يملك المواطن الأمريكي الذي يدخل إلى متجر البقالة المحلي أي سبيل لمعرفة ما إذا كان تعامل مع أو خالَط شخصاً مصاباً بالعدوى.

على النقيض من هذا، قامت البلدان التي قضت على الفيروس تقريباً بنشر جيوش من متتبعي المخالطين الذين يمكنهم إخطار الأشخاص بتعرضهم المحتمل للعدوى من خلال تطبيقات رقمية.

لكن تتبع المخالطين وحده لا يكفي. بل تحتاج الولايات المتحدة أيضاً إلى مواجهة القضية الصعبة سياسياً، المتمثلة في فرض الحجر الصحي على المصابين، والذي بدونه يصبح من غير الممكن تقريباً إيجاد أي طريقة للقضاء على الفيروس تماماً.

لا يوجد سبب وجيه لعجز دولة على قدر كبير من الثراء مثل الولايات المتحدة عن نشر ذات الاستراتيجية التي نفذتها بنجاح دولة أفقر كثيراً مثل بوتان.

قد تبدو تكاليف القيام بذلك (وفقا لتقديري الخاص وتقديرات خبراء آخرين في الصحة العامة) باهظة، لكنها تتضاءل مقارنة بالبديل: استمرار الوباء لفترة طويلة إلى الحد الذي يتسبب في خسارة تريليونات الدولارات من الناتج.

تعهدت إدارة بايدن بتكوين جيش قوامه 100 ألف شخص من متتبعي المخالطين، والعاملين في مجال الصحة المجتمعية، وممرضات الصحة العامة، لتتبع حالات التعرض للعدوى، وتشجيع الحجر الصحي، وتوسيع نطاق الاختبارات.

ولكن يظل الكثير مطلوباً. وفقاً لبرنامج «تقدير قوة العمل في تتبع المخالطين» التابع لجامعة جورج واشنطن، فإن أمريكا تحتاج إلى 353 ألف متتبع للمخالطين لمواكبة عدد الحالات لمدة 14 يوماً.

وحتى إذا تحقق ذلك، فلابد أن يكون تتبع المخالطين مصحوباً ببروتوكول للحجر الصحي الـفَـعَّـال (حيث يكون العزل لمدة أسبوعين، إن لم يكن أكثر، إلزامياً).

إنها لحظة حرجة حقاً. فمع انخفاض عدد الحالات، ستكون تكلفة تتبع المخالطين والعزل مرتفعة ولكن يمكن تدبيرها. ولكن إذا ترسخ أي من السلالات الجديدة الشديدة العدوى، فقد تخرج العدوى عن نطاق السيطرة، وسوف تنغلق نافذة الفرصة الحالية.

وبالفعل، اكتُـشِـف في الفلبين مؤخراً السلالة المتحورة المقاومة للقاح (P.1)، التي ظهرت أول مرة في البرازيل.

إن انخفاض عدد الإصابات الجديدة، ليس على الإطلاق سبباً لتخفيف تدابير الاحتواء، بل يتطلب المزيد من التحرك العاجل. وبدون توفر الاختبارات على نطاق واسع، وتتبع المخالطين، والعزل الإلزامي، فلن تكون الولايات المتحدة خالية من فيروس كورونا.

وبمجرد تمكننا من القضاء على انتقال العدوى هنا، يتعين علينا أن نسارع إلى مساعدة البلدان الأخرى في تحقيق ذات الغاية. وإلا فإن الفيروس سيستمر في العودة، وفي كل مرة بقوة أكبر من سابقتها.

* عالِـم ورائد أعمال في مجال التكنولوجيا الحيوية، وخبير في الأمراض المعدية، ورئيس مركز أبحاث الصحة العالمية ACCESS Health International.

 

Email