تقييم الاستجابة البريطانية للجائحة

ت + ت - الحجم الطبيعي

أثناء اندلاع جائحة فيروس «كورونا» المستجد، أخفقت العديد من الدول الغنية أحياناً في توفير ما يكفي من معدات الحماية الشخصية للعاملين في مجال الرعاية الصحية، لكن أداء حكومة المملكة المتحدة كان مُخجلاً بشكل خاص، على الرغم من أنها حثت الشعب باستمرار على «الإشادة بجهود العاملين في مجال الرعاية الصحية».

على الرغم من أن حملات التلقيح الحكومية تتصدر عناوين الأخبار، لا ينبغي لنا أن نتجاهل حقيقة أن ما لا يقل عن 850 من العاملين في مجال الرعاية الصحية والاجتماعية في إنجلترا ماتوا جراء الإصابة بفيروس «كوفيد 19» بين مارس وديسمبر 2020. ولا يزال هؤلاء العاملين مُعرضين للخطر.

كان بيتر تون من بين المهنيين الطبيين الذين فقدوا حياتهم، وهو طبيب مُتميز كان يعتني بمرضى «كوفيد 19» في مستشفى رويال بيركشاير في ريدينغ، والذي طالب بتوفير إمدادات مُعدات الوقاية الشخصية الحيوية قبل ثلاثة أسابيع من وفاته بالمرض في أبريل الماضي. وعلى نحو مماثل، تُوفي أندرو إيكين نوانكو، وهو مُمرض مؤقت في مستشفى برومفيلد في تشيلمسفورد، بعد إصابته بفيروس كورونا المُستجد عقب محاولته اليائسة شراء معدات الوقاية الشخصية الخاصة به عبر الإنترنت. والسؤال المطروح الآن هو كم عدد العاملين الصحيين البريطانيين الآخرين الذين كانوا سيتجنبون خطر الوفاة لو توفرت لهم مُعدات الحماية المُناسبة؟

في فبراير الماضي، نشرت لجنة الحسابات العامة في المملكة المتحدة تقريراً وجدت فيه أن العاملين في الخطوط الأمامية كانوا «يُخاطرون بحياتهم لتوفير العلاج والرعاية». وأفادت اللجنة بأن العاملين في الخطوط الأمامية واجهوا «الوضع المُروع المُتمثل في رعاية الموظفين للأشخاص المُصابين أو المُشتبه في إصابتهم بفيروس كورونا المُستجد دون مُعدات الوقاية الشخصية الكافية لحماية أنفسهم من خطر الإصابة العدوى».

سجلت المملكة المتحدة حتى وقت قريب أكثر من 4.2 ملايين حالة إصابة بفيروس كورونا المُستجد وأكثر من 125.000 حالة وفاة. في الواقع، لا يمكن تحديد العدد الفعلي للحالات المُصابة بالعدوى بين العاملين الصحيين الذين يعتنون بالمرضى. لكن إحدى الدراسات قدرت أن هذه الحالات تُمثل حوالي 10% من جميع الحالات بين أبريل ويونيو 2020، حيث كان العاملون في مجال الرعاية الصحية أكثر عُرضة للإصابة بالعدوى بست مرات من عامة السكان.

أظهرت نتائج دراسة أخرى أُجريت في أواخر أبريل من العام الماضي أن معدل انتشار الفيروس بين العاملين الصحيين في برمنجهام - أي وجود أجسام مضادة لفيروس «سارس كوف 2» المُسبب لفيروس كورونا المُستجد، ما يشير إلى أن الشخص قد أصيب من قبل - كان أعلى بأربع مرات منه بين السكان المحليين ككل (24% مقابل 6%). ولا تشمل هذه الأرقام الذروة الأولى لاندلاع الجائحة في المملكة المتحدة في أواخر مارس وأوائل أبريل.

في نهاية شهر مارس عام 2020، وفقاً لكلية الطب الملكية، كان يتعرض طبيب واحد من بين كل أربعة أطباء في هيئة الخدمات الصحية الوطنية للإصابة بالعدوى أو يخضع للحجر الصحي. مع مواجهة هيئة الخدمات الصحية الوطنية لأزمة إمدادات مُعدات الوقاية الشخصية، ذكرت الرابطة الطبية البريطانية (BMA) أن بعض الأطباء والممرضين - مثل نوانكو - اضطرّوا لاقتناء أقنعة الوجه الواقية بأنفسهم من أجل القدوم لمزاولة عملهم.

في الواقع، كان من الأفضل أن يتم تزويد موظفي الرعاية المركزة بمعدات الوقاية الشخصية النادرة، بما في ذلك أجهزة التنفس لتصفية الوجه من الفئة 3 (FFP3). على الرغم من التعامل مع حالات الإصابة بفيروس كورونا الأكثر خطورة، فإن معدلات الإصابة لديهم أقل من معدلات إصابة العاملين في مجال الرعاية الصحية. وعلى النقيض من ذلك، أوصت هيئة الصحة العامة في إنجلترا بأن يرتدي العاملون في المجالات السريرية الأخرى أقنعة جراحية أساسية مقاومة للسوائل ما لم يقوموا «بإجراءات لتوليد الهباء الجوي». والواضح أنه لا يزال توفير مُعدات الوقاية الشخصية في المملكة المتحدة غير كافٍ.

وقد حثت بعض المجموعات التي تُمثل العاملين في مجال الرعاية الصحية الحكومة مراراً وتكراراً على معالجة النقص في مُعدات الوقاية الشخصية.

في منتصف شهر يناير من هذا العام، ذكرت هيئة الصحة العامة في إنجلترا ووزارة الصحة والرعاية الاجتماعية في المملكة المتحدة أنه لا توجد أي خطط لتغيير إرشادات معدات الوقاية الشخصية الحالية، وما زالت لم تعلن عن أي خطط لتعديل هذه المبادئ التوجيهية.

وقد تولت بعض صناديق هيئة الخدمات الصحية الوطنية زمام المبادرة بمفردها وقامت بتوزيع أقنعة الوجه من نوع «FFP3» على جميع العاملين الذين يعتنون بالحالات المُصابة أو المُشتبه في إصابتها بفيروس «كوفيد 19». لكن حماية العاملين الطبيين الأساسيين في المملكة المتحدة لا ينبغي أن تكون مسألة سهلة. وقد أثارت هذه الأوضاع المُفككة مخاوف الناس من أن العاملين في مجال الرعاية الصحية المُعرضين لخطر الإصابة قد يتسببون في «إعادة نشر» فيروس «كوفيد 19» في المجتمعات، لاسيما مع انتشار سلالة جديدة أكثر عدوى.

وتشهد اليوم حالات الإصابة والوفيات الناجمة عن الإصابة بفيروس كورونا في المملكة المتحدة تراجعاً ملحوظاً، ويرجع ذلك إلى توزيع الحكومة السريع للقاحات. لكن عدم كفاءتها فيما يتعلق بمعدات الحماية الشخصية تعني أن أولئك الذين يقاتلون في الخطوط الأمامية لا يزالون مُعرضين لتهديد الجائحة.

* أستاذ علم الطفيليات الجزيئية والطب في مركز العدوى بجامعة سانت جورج بلندن.

** طبيبة في جامعة سانت جورج بلندن.

opinion@albayan.ae

Email