اللقاح وإصلاح العلاقات الدولية

  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

بقدر ما قد يبدو هذا التصريح غريباً، فإن اللقاحات هي الآن المفتاح لإحياء العلاقات عبر الأطلسي. تركت إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب التي رفعت شعار «أمريكا أولاً» العلاقات بين الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين في حالة يرثى لها من الإنهاك والتوتر.

وعلى هذا فقد ارتأى الرئيس جو بايدن، في خطابه أمام مؤتمر ميونيخ للأمن في فبراير، أن أفضل تصريح يتمثل في التأكيد على دعم أمريكا للمادة الخامسة من معاهدة شمال الأطلسي: «أي هجوم على أحد أعضاء منظمة حلف شمال الأطلسي يعتبر هجوماً على الجميع».

كل هذا جميل، ومع ذلك يظل الخطاب مجرد خطاب، ويتساءل بعض المراقبين عن قيمة المادة الخامسة والحلف في وقت حيث يؤدي نقص الإمدادات من لقاح مرض فيروس كورونا 2019 (كوفيد 19) إلى تعريض حياة الأوروبيين وسبل معايشهم للخطر في حين تسبح الولايات المتحدة في جرعات من اللقاح.

الواقع أن إدارة بايدن لم تمارس أي ضغط حتى للحصول على موافقة إدارة الغذاء والدواء على اللقاح أكسفورد أسترازينيكا الذي تنتجه المملكة المتحدة، على الرغم من توفر ما يقدر بنحو 60 مليون جرعة في متناول اليد.

لا شك أن بايدن راغب في إحياء العلاقات مع أوروبا، ولهذا السبب يتعين على إدارته أن تعالج هذا الاختلال الفاضح في ما يتصل باللقاحات، وأن تساعد الأوروبيين في وقت الضيق والشدة. وتتلخص أسرع طريقة للقيام بذلك ــ وتقوية العلاقات عبر الأطلسي ــ في الإنتاج الأمريكي الأوروبي المشترك للقاحات في أوروبا.

إن التعاون في الإنتاج والتوزيع عبر الحدود، بل وحتى عبر المحيطات، طريقة أكثر فاعلية لتعزيز الأهداف الدبلوماسية من الاكتفاء ببيع الإمدادات من اللقاح للأوروبيين (وإن كان ذلك أفضل من لا شيء في وقت حيث تتخلف أوروبا كثيراً عن الولايات المتحدة في ما يتصل بتوصيل اللقاح).

وحتى روسيا، التي لا تشتهر بمشاركة أي شيء، تدرك هذه الحقيقة، وعلى هذا فقد وقعت للتو على اتفاق لإنتاج لقاحها Sputnik V في إيطاليا، مع ترتيبات مماثلة تفيد التقارير بأنها قيد الإعداد في فرنسا، وألمانيا، وإسبانيا.

بإبرام مثل هذه الصفقات، نجح الكرملين في الاستفادة من مجال بالغ الأهمية، الصحة العامة، مع السعي في ذات الوقت إلى تقسيم وتفريغ الاتحاد الأوروبي. وبالتالي فإن السؤال الواضح هنا هو لماذا لم تبذل حكومة الولايات المتحدة المزيد من الجهد لدفع شركات الأدوية الأمريكية إلى الموافقة على اتفاقيات الإنتاج المشترك مع شركات الأدوية الأوروبية؟

صحيح أن Pfizer/‏BioNTech (وهي شركة ألمانية) أبرمت صفقة مع شركة Novartis لإنتاج لقاحاتها في ماربورج ــ 60 مليون جرعة شهرياً بكامل طاقتها. وأن لقاح جونسون آند جونسون يُـنـتَـج في لايدن، حيث وقعت الشركة في فبراير على صفقة مع شركة Sanofi لإنتاج 12 مليون جرعة شهرياً في مارسي ليتوال بفرنسا. وقد تعاقدت شركة Moderna الآن مع مجموعة Lonza لتصنيع لقاحها في سويسرا.

لكن كل هذه التحركات جاءت متأخرة (بفضل ترامب)، بعد أن بات من الواضح أن الاتحاد الأوروبي متأخر كثيراً في تسليم اللقاحات إلى مواطنيه. وبسبب هذا العجز عن تسليم اللقاحات سنحت الفرصة لروسيا والصين لتصوير نفسيهما كمنقذين للصحة في أوروبا، وهو ما يسعيان الآن لاستغلاله.

من خلال دفع ودعم مشاريع إنتاج اللقاحات المشتركة، يتعزز أمن الولايات المتحدة الوطني دون أن تتكلف سنتاً إضافياً من الإنفاق الدفاعي. وكما عززت الولايات المتحدة علاقاتها مع أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية بمساعدة خطة مارشال، ينبغي لها أن تشجع اتفاقيات إنتاج اللقاح التعاونية بقدر ما يحتاج إليه الأوروبيون لتلبية احتياجاتهم.

لكن اللقاحات ليست سوى جزء من القصة. فقد أحرزت إدارة بايدن بالفعل تقدماً حقيقياً في إصلاح العلاقات الأمريكية مع أوروبا، وخاصة من خلال إنهاء نزاع سام طال أمده بشأن إعانات دعم إنتاج الطائرات. ففي أوائل مارس، اتفق بايدن وأورسولا فون دير لاين، رئيسة المفوضية الأوروبية، على تعليق التعريفات المفروضة في النزاع حول إعانات الدعم لفترة أولية تمتد أربعة أشهر.

تعادل الأهمية التجارية التي تتسم بها هذه الاتفاقية أهميتها الرمزية كإشارة إلى الشراكة المتجددة عبر الأطلسي. بدأ النزاع حول الطائرات قبل ما يقرب من عشرين عاماً، فقد فرض الاتحاد الأوروبي تعريفات على منتجات أمريكية بقيمة 4 مليارات دولار تقريباً، في حين فرضت الولايات المتحدة تعريفات جمركية على ما قيمته 7.5 مليارات دولار على السلع الأوروبية.

في تعليق على تويتر، قال وزير المالية الفرنسي برونو لومير: «خرجنا أخيراً من الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، التي لم تخلق سوى خاسرين».

كيف لا يتشكك الأوروبيون في وعد بايدن بأن «أمريكا عادت» عندما يرفض الوقوف في وجه دعاة حماية الصلب؟ يخشى بايدن أن التعريفات الجمركية تحظى بشعبية بين أبناء الطبقة العاملة من ذوي البشرة البيضاء الذين يريد الديمقراطيون الفوز بهم في صفهم من جديد. علاوة على ذلك، يظل الجمهوريون وصناعة الصلب ونقاباتها على تأييدهم للتعريفات.

يمثل إبقاء بايدن على الرسوم الجمركية المفروضة على الصلب انتصاراً للسياسات الداخلية على السياسة الخارجية. لكن بايدن يدرك أيضاً أن أمريكا المعزولة عن حلفائها هي في حقيقة الأمر أمريكا أضعف. ومن خلال مساعدة أوروبا على إنتاج اللقاحات داخل الاتحاد، سيثبت ليس فقط أن أمريكا عادت، بل وأيضاً أن أمريكا التي عادت هي أمريكا خطة مارشال البعيدة النظر، وليست أمريكا ترامب التي رفعت شعار «أمريكا أولاً».

* أستاذ الاقتصاد الفخري في جامعة نيويورك.

 

Email