أهمية الاستثمار بتعليم الفتيات

ت + ت - الحجم الطبيعي

في معظم البلدان الناشئة، يظل التحيز المُستمر لصالح الأبناء الذكور عائقاً أمام فتح آفاق حياة جديدة للفتيات - وغالباً ما يعوق الحياة نفسها.

أدى اختيار جنس المولود قبل وبعد الولادة، بما في ذلك الإجهاض ووأد الأطفال، إلى اختلالات ديموغرافية كبيرة.

يُساهم هذا في تفاقم المشاكل الاجتماعية واسعة النطاق. في حين لا يزال غالبية السكان يُفضلون إنجاب الذكور أكثر من الإناث - وهو تفضيل تُعززه التقاليد الثقافية التي يلعب فيها الأبناء الذكور دوراً مهماً - تشهد مناطق كثيرة بعالمنا العديد من قضايا العنف المنزلي وزواج الأطفال والوفيات الناجمة عن نزاعات مُتعلقة بالمهر. ويمكن أن تتسبب ثقافة تفضيل الأبناء الذكور عند الآباء في خلق تحديات إضافية للتنمية البشرية.

يتجلى هذا الأمر بشكل أوضح في بلدان عديدة إذ لا تزال الفرص التعليمية والاقتصادية المتاحة للفتيان والفتيات غير متكافئة إلى حد كبير، لأن النمو الاقتصادي السريع في بعض هذه البلاد منذ التسعينيات لم يكن مصحوباً بتغييرات واسعة النطاق في المواقف تجاه المرأة والقيم الاجتماعية التقليدية.

وبسبب اختيار جنس المولود، فإن نسبة الذكور إلى الإناث في البلاد غير متوازنة، مع غياب ملايين الفتيات والنساء من المدارس وسوق العمل.

تشهد هذه المشكلة تعقيداً متزايداً. إذ تُعزى مُعظم حالات الوفيات بين الفتيات دون سن الخامسة إلى اختيار جنس المولود بعد الولادة، وقد أدى انتشار تكنولوجيا الموجات فوق الصوتية إلى تفاقم عدم التوازن هذا.

يُعد فهم التحيز للأبناء الذكور في مرحلة الخصوبة أمراً مُهماً لتحقيق أهداف التنمية المستدامة، ولاسيما الهدف الرابع (ضمان التعليم الجيد) والهدف الخامس (تحقيق المساواة بين الجنسين)..

تُساعد القواعد الجندرية التقليدية - الرجال بوصفهم مُعيلين للأسر والنساء باعتبارهن ربّات بيوت - في تفسير القيمة الممنوحة للأطفال الذكور، شأنها في ذلك شأن الفوائد الاقتصادية المُتصورة لإنجاب الأبناء الذكور. تدعم هذه الآراء التقليدية عدم المساواة بين الجنسين في التحصيل العلمي، مع مُساهمة الفجوة في زيادة التفاوتات بين الجنسين في الجيل القادم.

وعلى النقيض من ذلك، تميل النساء الأكثر تعليماً إلى أن تكون لديهن أسر أصغر، مع إنجاب أطفال أكثر صحة وأفضل تعليماً.

قبل ثلاثة عقود، كانت فُرص النساء البنجلاديشيات المُتعلمات لكسب الدخل محدودة، وظل وضعهن الاقتصادي ضعيفاً. في الواقع، لم يكن هناك ما يكفي من النساء المُتعلمات لتحويل تفضيل الأبناء الذكور لصالح البنات.

ومع ذلك، منذ ذلك الحين، استفاد قطاع تعليم الفتيات من مشروع مساعدة المدارس الثانوية للإناث على الصعيد الوطني، الذي بدأ تنفيذه في أوائل التسعينيات. قدم البرنامج مُساعدات مالية للفتيات وشجعهن على تأجيل الزواج من أجل إكمال تعليمهن. ومنذ ذلك الحين، حذت بنجلاديش حذو جارتها الهند في مجال التعليم الثانوي للفتيات.

علاوة على ذلك، تعمل بنجلاديش اليوم على سد الفجوة الكبيرة بين الجنسين في الالتحاق بالمدارس السائدة في جميع أنحاء جنوب آسيا، مدعومة بالتغيرات في سوق العمل.

في عام 1992، قام كبير الاقتصاديين السابق بالبنك الدولي لورانس سمرز، بتعريف تعليم المرأة باعتباره الاستثمار الوحيد الأكثر تأثيراً الذي يمكن تحقيقه في العالم النامي. يؤكد بحثنا هذه النتيجة. إن الدرس السياسي المُستفاد هو أن الاستثمار في تعليم الفتيات وخلق الفرص الاقتصادية يمكن أن يكون له آثار مهمة بين الأجيال عند الولادة وفي التعليم وما بعده.

* أستاذ اقتصاديات التنمية في جامعة مالايا في كوالالمبور، ورئيس مجموعة جنوب شرق آسيا لمنظمة العمل العالمية.

 

Email