التلاعب باقتصادات الدول

ت + ت - الحجم الطبيعي

أكد عالم الفيزياء ألبرت أينشتاين ذات مرة حقيقة مفادها أن الأمور محتومة بمنطق عمل دقيق. لقد كان مُحقاً. بدلاً من ذلك، تُحدد مستقبلنا مجموعة من هواة الألعاب المهووسين بالنظارات الواقية وأدوات التبديل والتطبيقات المالية مثل تطبيق «روبن هود» للمعاملات والأسهم المالية. قبل وقت طويل من تصدّر شركة «جيم ستوب» لبيع ألعاب الفيديو عناوين الأخبار بعد الارتفاع الهائل في أسعار أسهمها والذي بلغ نسبة 1700%، حيث طالب الكونغرس الأمريكي بشهادة من المديرين التنفيذيين لصناديق التحوّط (شخصياً وبواسطة تطبيق زووم)، كان قد تم بالفعل التلاعب بأجزاء رئيسية من الاقتصاد.

واليوم، يقترح العديد من المشرعين الأمريكيين فرض ضريبة جديدة على تداول الأسهم لإبطاء الشركات الرائدة في صناعة ألعاب الفيديو التي تُغذيها شبكات التواصل الاجتماعي مثل شركتي «جيم ستوب» ومسارح «AMC» .

دعونا نعترف أولاً بأن التطبيقات الضخمة مثل تطبيق «روبن هود» تجعل عمليات تداول الأسهم سريعة ورخيصة ومُغرية. باستخدام الأضواء الوامضة والرموز الدوّارة، يجعل تطبيق «روبن هود» التطبيقات المُنافسة المُتمرسة مثل تطبيقي «ميريل لينش» و«باركليز» تبدو وكأنها صُممت في حلقة من مسلسل «ماد مان».

تم تصميم تطبيق «روبن هود» من أجل اللاعبين الذين اعتادوا الصيد. سواء كانوا يُطاردون الأعداء في لعبة إطلاق النار مثل لعبة «أبيكس ليجند»، أو يبحثون عن صفقات الأسهم بين تجار التجزئة، يكون اللاعبين مُستعدين لخوض مُغامرة عند تشغيلهم لشاشاتهم. يمنحهم تطبيق «روبن هود» هذه الإثارة.

قبل عدة سنوات، عندما شاركتُ في تأسيس شركة «Sproglit»، وهي شركة ألعاب تعليمية تُدرّس الرياضيات للأطفال، علمتُ كيف يستغل مُطورو الألعاب عقلك.. ويشحنون طاقتك كُلما أوشكت على إنهاء اللعبة. يُقدمون الجوائز، ويتحدّون اللاعبين بمهمات ملحمية مثيرة، ثم يتلاعبون بفرص الفوز بشكل مُفاجئ وغير مُتوقع.

في كل مرة يقترب فيها اللاعب من نهاية اللعبة، تظهر عقبة أو جائزة جديدة، مما يضخ المزيد من الدوبامين في دماغ اللاعب، ويُضاعف حماسه. يستخدم تطبيق «روبن هود» هذه الحيل. مع ممارسة مليارات الأشخاص هذه الألعاب بشغف، أصبحت ظاهرة تطبيق «روبن هود» حتمية. يجب أخذ هذه الحقيقة بعين الاعتبار: لقد أمضى بعض الأشخاص 25 مليار ساعة (ما يُعادل ثلاثة ملايين سنة) وهم يلعبون لعبة الفيديو الشهيرة «نداء الواجب» - وهي فترة أطول بكثير من تواجد البشرية. لقد نشأ جيل الألفية والجيل الذي يليه «الجيل زد» على الألعاب. إن مبيعات كل جزء من سلسلة ألعاب «ورلد أوف وركرافت» تفوق مبيعات أي فيلم من أفلام «حرب النجوم» في غضون ساعات.

هذا أمر سيئ؛ لأن المستثمرين والاقتصاد يكونون في وضع أفضل عندما تعكس أسعار الأسهم بدقة أكبر ربحية الشركة، والتدفقات النقدية المستقبلية، والقيمة الأساسية. في النهاية، هذا ما يحدث. ولكن عندما تكون الأسعار مُتساوية، فمن الأفضل أن تحدث تغيّرات في وقت مُبكر، لأنه من المرجح أن ينجرف عدد أقل من المستثمرين نحو مسار خطير. إذا كان سيتم رفع سعر أسهم شركة مُعينة من خلال توصيات تستند إلى بيانات كاذبة ثم بيعها بعد ذلك، يجب أن نفضل التراجع عن زيادة أسعار الأسهم في اليوم الأول بدلاً من اليوم السادس.

في العقود الأخيرة، عملت ألمانيا واليابان وهولندا أيضاً على إلغاء الضرائب من هذا النوع. وعلى النقيض من ذلك، فرضت فنزويلا المُتعثرة ضريبة مماثلة في عام 2015، والتي لا تزال قائمة، على الرغم من أن سوق الأسهم قد انهارت تقريباً نتيجة هروب رؤوس الأموال والتضخم المفرط.

تمت تغذية ازدهار وانهيار شركة «جيم ستوب» من قبل شبكات التواصل الاجتماعي، والرسومات المُبهرة ومغامرات الثراء السريع. هذا الانهيار الذي نشهده اليوم هو بمثابة تحذير. من الأفضل أن النهاية أتت بسرعة. لا يتطلب الأمر نظريات أينشتاين لرؤية ذلك.

* المدير السابق للسياسة الاقتصادية في البيت الأبيض والمدير الإداري لصندوق التحوّط لإدارة «تايغر».

Email