الاتحاد الأوروبي وروسيا.. حتمية التعاون

ت + ت - الحجم الطبيعي

بعد عقود من الحرب الباردة، لا تزال حال روسيا والطبقة السياسية في أوروبا بين شد وجذب، لكن حدة المناقشات والمشاعر الأوروبية تجاه روسيا تخفي في الحقيقة زيادة التوافق، الذي يعكس مقاربة جديدة تجاه نظام الرئيس فلاديمير بوتين.

في منتصف العقد الأول من الألفية الثالثة كان الأوروبيون منقسمين بشكل عميق فيما يتعلق بالعلاقات مع روسيا، فألمانيا بقيادة المستشار آنذاك غيرهارد شرويدر كانت تريد التواصل معها، بينما سعت دول وسط وشرق أوروبا إلى الاحتواء، وفي الظاهر فإن مناقشات اليوم المتعلقة بخط أنابيب «نورد ستريم 2»، المثير للجدل والذي سوف ينقل الغاز الروسي بشكل مباشر لألمانيا.. إنها أمور تعزز من ذلك الانقسام القديم، ولكن الواقع مختلف تماماً.

لم يعد لدى أوروبا أي أوهام بأن روسيا تسير باتجاه ديمقراطية ليبرالية والتي يمكن تسريعها من خلال التواصل معها، كما انتهت فكرة أن الدول التي تستهدفها روسيا هي في ورطة بسبب التصرفات المستفزة لتلك الدول.

إن الأوروبيين متحدون في الغالب فيما يتعلق بالحاجة لمواجهة روسيا ومناهضتها للتصدي لبعض الأمور. وبالإضافة إلى ذلك، فإن العديد من دول الاتحاد الأوروبي أصبحت تزيد من إنفاقها العسكري، ووافقت على إجراءات الناتو من أجل التصدي للعدوان الروسي.

على الرغم من الخلافات المتعلقة بنورد ستريم 2 فإن أوروبا أكثر توافقاً، كذلك فيما يتعلق بسياسة الطاقة، ففي منتصف العقد الأول من الألفية الثالثة كانت الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي جزر طاقة منعزلة كان يتوجب عليها التعامل مع الدب الروسي لوحدها، واليوم هي جزء من سوق الطاقة الأوروبي المتكامل، والذي يمكنه أن يضمن إمدادات الطاقة للبلدان - بما في ذلك أوكرانيا عبر أنابيب التدفق العكسي من أوروبا الغربية - التي يقطع عنها الكرملين الطاقة.

لقد كان الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية ولأكثر من عقد من الزمان، يتناوبان التنقل بين مراحل التواصل والمواجهة مع روسيا، ولقد كانت الزيارة التي أجراها أخيراً جوزيب بوريل الممثل السامي للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية لروسيا هي الأخيرة ضمن سلسلة طويلة من المحاولات الفاشلة، لإعادة ضبط العلاقات والسعي لتعاون أعمق مع روسيا، مما لا يترك مجالاً للشك بعدم تقبل الكرملين لمثل تلك الجهود، ولكن أي تصعيد حاد محتمل في عقوبات الاتحاد الأوروبي، يؤدي لنتائج هدامة.

بينما بعض القادة الأوروبيين يدعون لتحرك أكبر من قبل الاتحاد الأوروبي تجاه روسيا، سعى أنصار التواصل مع روسيا مثل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، لإعادة إطلاق الحوار مع الكرملين. ولا شك أنه يجب على الاتحاد الأوروبي السعي لتبني نهج تواصل فاعل مع روسيا والحرص على عدم تشنج العلاقات.

يتوجب على أوروبا أن تكون واضحة فيما يتعلق بمصالحها مع تعزيز أمن الاتحاد الأوروبي. إن تحسين التنسيق عبر الأطلسي بشأن روسيا هو أمر أساسي. إن تواصل الاتحاد الأوروبي من جانب واحد مع الكرملين يقوض مكانته في كل من موسكو وواشنطن. كما لم يؤد ذلك التواصل لأي نجاح يذكر.

إن حوار الاتحاد الأوروبي مع روسيا يجب أن يركز على الجوانب المتعلقة بروسيا، سواء تلك المتعلقة بالتغير المناخي أم اللقاحات أم التأشيرات، ويجب أن تكون على مستوى التكنوقراط ومن دون الضجة الدبلوماسية أو العواطف التي ميزت محاولات التواصل الأخيرة.

* مؤسس مشارك ومدير للمجلس الأوروبي للشؤون الخارجية.

 

Email