«كورونا» والتضخم

ت + ت - الحجم الطبيعي

تشير التوقعات الحالية من جانب العديد من البنوك، والبنوك المركزية، وغير ذلك من المؤسسات، إلى أن التضخم لن يمثل مشكلة في المستقبل المنظور. على سبيل المثال، يتوقع صندوق النقد الدولي أن يظل التضخم العالمي مكبوحاً حتى نهاية أفق توقعاته في عام 2025. ولكن هل من الممكن أن يفيق أولئك الذين صدقوا هذه التوقعات على صدمة عنيفة؟

لطالما اشتهرت النماذج الاقتصادية بالافتقار إلى الدقة في التنبؤ بالتضخم بدرجة مزعجة، ثم زادت جائحة مرض فيروس كورونا (كوفيد 19) التحدي تعقيداً على تعقيد. في حين يعاير المتنبئون الاقتصاديون نماذجهم بالاستعانة بالبيانات من السنوات الخمسين الأخيرة لتفسير الاتجاهات الاقتصادية والتنبؤ بها، فإن الظروف الاقتصادية اليوم ليس لها سابقة في تلك الفترة. وعلى هذا فإن توقعات التضخم المنخفضة اليوم لا تضمن بقاء التضخم منخفضاً بالفعل.

حتى بدون أي ضغوط تضخمية إضافية، سترتفع معدلات التضخم المسجلة بشكل كبير في الأشهر الخمسة الأولى من العام الجاري.

بالحسابات الحالية لأسعار المستهلك، يُـعَـوَّض عن ارتفاع أسعار السلع جزئياً بانخفاض أسعار الخدمات مثل السفر جواً. ولكن في واقع الأمر، تعني القيود المرتبطة بالجائحة أن استهلاك العديد من الخدمات انخفض بشكل حاد؛ على سبيل المثال، انخفضت أعداد الناس الذين يسافرون جواً. وبالتالي، أصبحت سلال الاستهلاك الفعلي أكثر تكلفة من السلة التي تستخدمها السلطات الإحصائية لحساب التضخم. لذا، فإن معدلات التضخم الحقيقية حالياً غالباً ما تكون أعلى من الأرقام الرسمية، كما أكدت التقارير.

بمجرد أن ترفع الحكومات القيود المفروضة على التنقل، فقد يزداد تضخم الخدمات أيضاً إذا كانت القدرة الاستيعابية المتقلصة ــ نتيجة الإغلاق الدائم للمطاعم والفنادق.

وقد يفرض التوسع المالي والنقدي غير المسبوق في الاستجابة لأزمة «كوفيد 19» خطر تضخم أعظم. وفقاً لتقديرات بنك «يو بي إس»، بلغ إجمالي العجز الحكومي 11 % من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2020، وهذا أكثر من ثلاثة أضعاف المتوسط في السنوات العشر السابقة.

وعلى هذا فقد جرى تمويل العجز الحكومي في عام 2020 بشكل مباشر عن طريق إصدار أموال جديدة. لكن هذا لن ينجح إلا إذا كان العدد الكافي من المدخرين والمستثمرين على استعداد للاحتفاظ بالمال والسندات الحكومية بأسعار فائدة صفرية أو سلبية. وإذا تسببت الشكوك حول سلامة هذه الاستثمارات في استحثاث المدخرين والمستثمرين على التحول إلى أصول أخرى، فسوف تضعف عملات البلدان المتأثرة، ما يؤدي إلى ارتفاع أسعار المستهلك.

في الأشهر الأخيرة، سجلت أسعار السلع الأساسية، وتكاليف النقل الدولي، والأسهم، وعملة بيتكوين، ارتفاعات حادة، وانخفضت قيمة الدولار الأمريكي بشكل كبير. وقد تكون هذه بوادر لارتفاع أسعار المستهلك في منطقة الدولار. وفي ظل ترابط معدلات التضخم الشديد على المستوى الدولي، فإن ارتفاع التضخم المرتبط بالدولار من شأنه أن يعجل بنمو الأسعار في مختلف أنحاء العالم.

يستخف كثيرون بخطر ارتفاع التضخم، ولا تفعل التنبؤات المتفائلة القائمة على النماذج أي شيء للتخفيف من مخاوفي. ولا ينبغي لصناع السياسات النقدية والمالية، وكذلك المدخرين والمستثمرين، أن يسمحوا لأنفسهم بالوقوع في الخطأ. في عام 2014، توقع رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأسبق ألان جرينسبان أن يرتفع التضخم في نهاية المطاف، واصفاً ميزانية بنك الاحتياطي الفيدرالي العمومية بأنها «كومة من المواد سريعة الاشتعال». وقد تكون الجائحة الصاعقة التي تشعلها.

* رئيس البنك الاتحادي الألماني الأسبق، وعضو سابق في مجلس إدارة البنك المركزي الأوروبي، ويشغل حالياً منصب رئيس مجلس إدارة بنك «يو بي إس».

opinion@albayan.ae

Email