المحاباة الضريبية

ت + ت - الحجم الطبيعي

سوف تتحدد هيئة الأشهر الأولى من إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن في حكم الولايات المتحدة تبعاً للجهود المبذولة لاحتواء مرض فيروس (كوفيد 19)، وتسليم اللقاحات على نطاق واسع.

ولكن في الأمد المتوسط، سيحدد الاقتصاد مدى نجاح الإدارة. في هذا الصدد، أشار بايدن إلى أن الإصلاح الضريبي سيكون على رأس الأولويات، وأصدر خططاً لمعالجة المشكلات المالية التي طال أمدها؛ مثل نقص إيرادات الحكومة الفيدرالية وعدم تصاعدية النظام الضريبي.

لكن هذه المقترحات لا تقترب بعد بالقدر الكافي من معالجة خط الصدع الرئيسي في قانون الضرائب: المعاملة التفضيلية المفرطة للدخل الرأسمالي.

كانت الضرائب المفروضة على رأس المال في الولايات المتحدة أخف دوماً من الضرائب المفروضة على العمل.

تُـعَـد الضرائب الشديدة التدني المفروضة على رأس المال اليوم نتيجة للعديد من التطورات. في الواقع فإن حال عدم التماثل بين رأس المال والعمل والتي بدأت في ثمانينيات القرن العشرين تسببت في اتساع فجوة التفاوت في الدخل وتشوه قرارات الاستثمار وتشغيل العمالة. واليوم لا تزال عواقب هذه الحال أشد خطورة، بسبب اتساع نطاق التكنولوجيات التي تستطيع الشركات استخدامها لأتـمتة عملياتها (تشغيلها آلياً). الآن تتوفر العديد من الآلات والخوارزميات القادرة على أداء المهام التي يقوم بها العمال البشر، ويشجع قانون الضرائب الشركات بقوة على تبني هذه الآلات والخوارزميات، حتى إلى درجة الإفراط.

من المؤكد أن تصميم المزيد من التكنولوجيات، بما في ذلك التكنولوجيات الرقمية، لتكميل عمل البشر بدلاً من الحلول محله، كفيل بأن يجعل الاستثمار الرأسمالي الإضافي في غير احتياج إلى إلغاء الوظائف، بل وربما حتى يعمل على تعزيز إنتاجية العمل الإجمالية. ولكن من المؤسف أن هذه ليست الحال.

تُـرى كيف انتهت بنا الحال إلى تطبيق سياسات ضريبية تعمل صراحة على تغذية التفاوت بين الناس وإهدار الوظائف؟ بادئ ذي بدء، أصبحت الشركات الضخمة أعلى صوتاً وأقوى من الناحية السياسية على مدار العقود العديدة الماضية ــ وليس فقط بسبب حكم «مواطنون متحدون» الصادر عن المحكمة العليا في عام 2010، الذي فتح الباب على مصراعيه لإنفاق الشركات على الحملات الانتخابية. ولعل الأمر الأكثر أهمية يتمثل في زيادة قوة جماعات الضغط الصناعية، حيث لم يعد نفوذ الشركات مقتصراً على التأثير على المشرعين، بل تجاوزه غالباً إلى كتابة التشريعات.

ولم تكن مهنة الاقتصاد عاملاً مساعداً. فقد تشبث العديد من أهل الاقتصاد لفترة طويلة للغاية برأي مفاده أن رأس المال لا ينبغي أن يخضع للضريبة. لكن الأدلة التي قد تؤكد هذه الادعاءات ليست دامغة. تشير تقديرات حديثة إلى أن المعروض من رأس المال لا يستجيب إلا بشكل متواضع لمعدلات الضرائب. ولأن ضرائب العمل تشوه أيضاً مجموعة واسعة من القرارات الاقتصادية، فلا يوجد سبب مقنع دائماً لتفضيل أحدهما على الآخر.

هذه ليست دعوة لتطبيق ذلك النوع من ضريبة الثروة الذي تحول إلى قضية ساخنة في الانتخابات الرئاسية التمهيدية في الحزب الديمقراطي. بل يتمثل المقصد هنا في وضع قانون ضريبي لا يضر بشكل مفرط بالعمالة في مواجهة الآلات.

والآن وقد أصبحنا في وسط أسوأ أزمة اقتصادية منذ أجيال، فمن غير المستحسن زيادة الضرائب على رأس المال بشكل مفاجئ. ولكن مع خروجنا من الركود الناجم عن «كوفيد19»، سيحتاج الاقتصاد إلى الوظائف والمزيد من الإيرادات الضريبية، ليس فقط لخدمة دين وطني أضخم، بل وأيضاً لزيادة الاستثمار في الرعاية الصحية، والبنية الأساسية، والتعليم.

إن إنهاء المعاملة الضريبية المتميزة لرأس المال من شأنه أيضاً أن يقطع شوطاً نحو إزالة حوافز الأتمتة المفرطة. لكن هذا لن يكون كافياً. ذلك أن خلق وظائف جيدة وآمنة بأجر لائق يتطلب أيضاً اتخاذ تدابير أخرى لتشجيع الشركات على الاستثمار في عمالها وفي التكنولوجيات المكملة للعمالة بدلاً من تلك التي تحل محلها. في كل الأحوال، يجب أن تكون إزالة المحاباة الضريبية لرأس المال والأتمتة خطوة أولى حاسمة.

* أستاذ الاقتصاد في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا.

Email