حتمية الحافز الألماني

ت + ت - الحجم الطبيعي

بعد فوز أرمين لاشيت في الانتخابات ليتولى قيادة حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي في ألمانيا أصبح في موقع يضمن له احتلال مركز الصدارة بين المتسابقين على خلافة المستشارة أنجيلا ميركل في وقت لاحق من هذا العام. لكن السباق على القيادة كان يدور حول الاختلافات في المزاج والأسلوب أكثر من الجوهر. ومن منظور السياسة، لا يشكل هذا أي فارق.

سيحافظ لاشيت، الذي يشغل حالياً منصب رئيس وزراء ولاية شمال الراين وستفاليا، وهي الولاية الأكثر ازدحاماً بالسكان في ألمانيا، على سياسات ميركل بهدف الإبقاء على تماسك منطقة اليورو. وكان منافسه على المنصب، فريدريش ميرتس ليفعل ذات الشيء، على الرغم من مزاجه الأكثر تحفظاً. وسوف تكون الاستمرارية شعار فترة ما بعد ميركل.

خلال فترة ولاية ميركل التي دامت ستة عشر عاما، أصبح الحفاظ على تماسك اليورو ضرورة سياسية أساسية في ألمانيا. وقد أظهرت الاستجابة لجائحة مرض فيروس كورونا (كوفيد 19) أن القيادة الألمانية ستفعل أي شيء تقريباً لمنع إيطاليا من مغادرة منطقة العملة الموحدة. فلم تكتف ألمانيا بالموافقة على صندوق تعافي الاتحاد الأوروبي بقيمة 750 مليار يورو (910 مليار دولار) وإصدار دين مشترك (من خلال ما يشبه سندات اليورو)؛ بل وربما توافق أيضاً على مواصلة التحفيز المالي الإضافي، حتى وإن اضطرت إلى تعليق قاعدة «الصفر الأسود» مرة أخرى ضد عجز الموازنة.

من المتوقع أن تمارس إدارة الرئيس المنتخب جو بايدن الضغوط من أجل المزيد من التوسع المالي. وإذا أفضت هذه السياسة إلى التعجيل برفع أسعار الفائدة من جانب الاحتياطي الفيدرالي، فإنها ستعمل على تعزيز قيمة العملة الأمريكية في مقابل اليورو. لكن رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، جيروم باول، أكد أن «الآن ليس الوقت المناسب» لزيادة سعر الفائدة. وكانت مؤسسات وول ستريت تراهن على أن الدولار سيظل على مساره الهابط طوال عام 2021، وربما لفترة أطول.

أخيراً، أصبح شراء اليورو رهاناً مثالياً للمضاربين على العملة. ومع رفضه خفض سعر الخصم، أرسل البنك المركزي الأوروبي إشارة واضحة مفادها أن قيمة صرف اليورو كعملة أجنبية أصبحت تمثل أهمية ثانوية لصحة البنوك الأوروبية، التي تعارض خفض أسعار الفائدة. على نحو مماثل، برفضه اتخاذ خطوات لتخفيف الضغوط الصعودية التي يمارسها المضاربون، حَـوَّل البنك المركزي الأوروبي اليورو إلى «عُـملة عاجزة» يسهل التلاعب بها.

بسبب هذه العوامل، أصبحت حياة المصدرين الأوروبيين صعبة على نحو متزايد. فهم الذين يتحملون العبء الاقتصادي لدعم البنوك.

الواقع أن الحافز المالي الألماني، من خلال إزالة «التقشف المستتر» من شأنه أن يعمل عمل المنشط لصادرات بلدان منطقة اليورو الجنوبية إلى البلدان الأعضاء في الشمال.

لن يزيد انتخاب لاشيت زعيماً لحزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي من فرص التحفيز المالي الألماني ولن يقللها. بل سيعتمد الكثير على ما إذ كانت أزمة أخرى لتشكل تهديداً قوياً بالقدر الكافي لإيطاليا والبلدان الأعضاء الأخرى في الجنوب. ولأن اقتصادات هذه البلدان ضعيفة بالفعل، فإن ارتفاع قيمة اليورو باضطراد هو العامل الذي من المرجح أن يدفعها إلى الخروج عَـدواً. كما تعني معاملة البنك المركزي الأوروبي المتعجرفة لليورو أن مثل هذا السيناريو من الممكن أن يتحقق في وقت أقرب مما يتصور كثيرون. لمنع ذلك، ينبغي لصناع السياسات الألمان أن يسارعوا إلى التقدم بخطط جاهزة للتنفيذ للتحفيز المالي.

* أستاذ الاقتصاد الفخري في جامعة نيويورك.

opinion@albayan.ae

Email