أزمة اقتصادية متفاقمة في تركيا

سيلفا ديميرالب - أستاذة الاقتصاد ورئيس البحوث الاقتصادية في جامعة كوتش.

ت + ت - الحجم الطبيعي

لم يكن من المفاجئ أو المستغرب أن نشهد المحن الاقتصادية والمالية التي ألمت بتركيا مؤخراً. إذ كانت فصول الأزمة الثلاثية التي تعيشها البلاد (العملة، والصناعة المصرفية، والديون السيادية) تتوالى لسنوات. تُـرى هل تستحث هذه الاضطرابات الاقتصادية اضطرابات سياسية؟ هذا السؤال محل مناقشة تدور على نطاق واسع الآن.

كان التضخم المرتفع الذي طال أمده وفجوة العجز المتزايدة الاتساع يطاردان الاقتصاد التركي حتى قبل اندلاع جائحة مرض فيروس «كورونا» (كوفيد19).

أبقت تركيا على تعويمها لسعر الصرف منذ عام 2001، عندما اضطرتها الأزمة المصرفية وأزمة الديون السيادية وميزان المدفوعات إلى التخلي عن ربط الليرة بسلة عملات تتألف من الدولار واليورو.

وتبنت تركيا نظام استهداف التضخم، والذي بموجبه لا يجوز تعديل الأسعار التي تحددها السياسة لهندسة خفض قيمة العملة أو رفع قيمتها، أو في الاستجابة لصدمات خارجية ــ مثل «كوفيد19» ــ والذي أدى إلى تدفق رأس المال إلى الخارج.

تتطلع الأسواق المالية إلى المستقبل وتعلم أن التضخم لا يمكن إدارته إلا من خلال سياسة نقدية جديرة بالثقة. لماذا إذن لم تضع الأسواق انخفاض قيمة الليرة الحاد في الحسبان قبل ذلك بمدة طويلة؟ تكمن الإجابة في أهمية تداعيات السياسة النقدية الأمريكية على الأسواق الناشئة.

بوضع هذه الحقيقة في الاعتبار، يتبين لنا أن أزمة تركيا التي تتفاقم ببطء يمكن تقسيمها إلى ثلاث مراحل. خلال مرحلة ما قبل «كوفيد19»، كانت قيمة الليرة تنخفض ببطء بسبب عدم معالجة المشكلات البنيوية التي أحدثت هذا الانخفاض ولم يكن استهداف التضخم أولوية عالية. فبفضل قدرة البنوك التركية على الاقتراض بسهولة في الأسواق الدولية، استُـبـعِـد احتمال انخفاض أكثر حِـدة في قيمة العملة.

بدأت المرحلة الثانية عندما اندلعت الأزمة في مارس 2020. في مستهل الأمر، استجابت تركيا (مثلها في ذلك كمثل بلدان أخرى) بالتيسير النقدي والمالي. لكن السياسة النقدية التوسعية سرعان ما بلغت حدودها القصوى.

وتسبب انخفاض أسعار الفائدة إلى ما دون معدل التضخم، الذي ارتفع إلى خانة العشرات، في الدولرة (التحول إلى الدولار)، وأدى العزوف المحلي والأجنبي عن شراء الأصول المقومة بالليرة التركية إلى انخفاض أكثر حدة في قيمة العملة، وهو ما حاولت تركيا كبحه ببيع ما يقرب من 130 مليار دولار من احتياطيات العملة الأجنبية، لكن المحاولة باءت بالفشل.

وللحد من عدم تطابق العملات الأجنبية، يتعين على بنوك الدولة، إما أن تزيد من قروضها بالعملات الأجنبية للشركات (وبالتالي تثبيت استقرار جانب الأصول) أو تعمل على تقليص اقتراضها بالعملات الأجنبية من كل من الأسر المحلية والدائنين في الخارج (تثبيت استقرار جانب الالتزامات).

سيكون من الصعب على البنوك أن تعمل على تحسين مركزها في ما يتعلق بالعملات الأجنبية مع الاستمرار في بيع الاحتياطيات لدعم الليرة.

الآن، تمر الأزمة التركية بمرحلة ثالثة، حيث بدأ صناع السياسات في تطبيع السياسة النقدية من خلال زيادة أسعار الفائدة. لكن البنك لم يكمل دورة تشديد السياسة بزيادة أخرى لسعر الفائدة في أكتوبر، بل قام بدلاً من ذلك برفع أسعار الفائدة ضمنياً من خلال عمليات السيولة.

وأدى هذا إلى تعزيز الرأي القائل بأن صانعي السياسيات غير راغبين في، أو غير قادرين على، معالجة التحديات الأكثر إلحاحاً التي تواجههم. وأفضت استجابة السوق المناوئة، مقترنة بعدم كفاية احتياطيات البنك المركزي لمعادلة الضغط، إلى إشعال شرارة الأحداث التي أدت إلى استبدال الفريق الاقتصادي.

 

 

Email