خمسة أسباب للتفاؤل بعام 2021

  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

شهد عامنا هذا تَـبِـعـات وعواقب العديد من أفعالنا الماضية. فلم تكن جائحة (كوفيد 19)، مجرد صاعقة عشوائية ضربتنا من فراغ، بل كانت كارثة «طبيعية» من صُـنع البشر، أرتنا في مرآتها العديد من عاداتنا السيئة، وممارساتنا الخطيرة ــ بل القاتلة في واقع الأمر.

كان انتقال فيروس «كورونا» من الخفافيش إلى البشر، نتاجاً للتوسع الحضري الطاغي، والتعدي المدمر على الموائل الطبيعية، وكان انتشاره السريع، نتيجة للتصنيع المفرط، والتجارة المحمومة، وعادات السفر المعاصرة. على نحو مماثل، يعكس عجز العالم عن الاجتماع على نهج لاحتواء الأزمة، مدى تأخر قدرة الحكم والإدارة خلف العولمة المفرطة.

كان العديد من هذه الإخفاقات واضحاً جلياً، قبل أن يضربنا الفيروس، حيث احتضن الناس في العديد من البلدان، قادة قوميين وشعبويين، وعدوا باتخاذ إجراءات حاسمة في عالَـم بدا خارج نطاق السيطرة. ولكن برغم أن عامنا هذا كان صعباً عسيراً، لدي خمسة أسباب على الأقل، يجب أن تجعلنا نبتهج بحلول عام 2021.

السبب الأول، والأكثر وضوحاً، هو فوز جو بايدن بانتخابات الرئاسة الأمريكية. إذ سوف تعود الولايات المتحدة قريباً إلى لعب دور فعال.

السبب الثاني الذي يجب أن يحملنا على الابتهاج، هو أن لقاحات (كوفيد 19)، أصبحت متاحة. هذا من شأنه أن يسمح لنا بالعودة التدريجية إلى الحياة الطبيعية، ويجب أن تؤكد الطريقة التي جرى بها تطوير وإنتاج هذه اللقاحات، على دعمنا للتعاون الدولي. كان من الـمُـلهِـم أن نرى أول لقاح يخرج إلينا من شركة بيون تِـك، الشركة التي يمولها الاتحاد الأوروبي، والتي يقودها عالِـمان ألمانيان من أصل تركي. ونظراً للمخاوف المبررة بشأن «قومية اللقاح»، فمن المهم أن يرى الناس كيف أن الأممية، وليس الفِـكر الضيق الأفق، هي السبيل إلى الخروج من هذه الأزمة العالمية وغيرها.

يقودني هذا إلى السبب الثالث للتفاؤل: الأنباء المشجعة على جبهة المناخ. كما لاحظ العديد من المعلقين، قد يقودنا تغير المناخ إلى أزمة أضخم من جائحة (كوفيد 19). لكن بعد الانخفاض الهائل في الانبعاثات الغازية المسببة للانحباس الحراري الكوكبي هذا العام، بنحو 7 %، صرنا نعلم على الأقل ما هو ممكن. والآن، بعد أن أثبتت الحكومات قدرتها على الإنفاق، مهما تطلب الأمر، في حالات الطوارئ، فسوف تواجه ضغوطاً متزايدة لحملها على الاستثمار في التكنولوجيات اللازمة للانتقال السريع إلى الطاقة النظيفة. يتمثل سبب الابتهاج الرابع، في عودة الإيمان بالحكومة. لقد ذَكَّـرَتنا جائحة (كوفيد 19)، جميعنا، بالقيمة العظيمة الكامنة في الإدارة العامة المقتدرة.

بعد عشر سنوات من التقشف المؤلم، وما أحدثه من اضطرابات سياسية، بدأت الحكومات أخيراً تتحمل قدراً أعظم من المسؤولية عن الرفاهة العامة. والآن، تدفع أحزاب التيار الرئيس، بما في ذلك الحزب الديمقراطي في الولايات المتحدة، بسياسات ترمي إلى دعم العمال، وأبناء الطبقة المتوسطة، وهذا يعطينا الأمل أخيراً في معالجة التفاوت البنيوي، الذي دفع كثيرين إلى الشعور بأنهم «نُـبِـذوا بالعراء» (وجعلهم بالتالي منفتحين على إغواء الشعبوية).

يقودنا هذا إلى السبب الأخير للابتهاج والتفاؤل. لقد أشعلت الجائحة، شرارة إعادة النظر في النظام العالمي. فبدلاً من العولمة المفرطة غير المنظمة، تبحث قوى رائدة عديدة، عن طرق للتوفيق بين الشهية المفتوحة للسلع الرخيصة، والتكنولوجيات المتقدمة، وغير ذلك من المزايا والفوائد المترتبة على التجارة، مع الاحتفاظ بقدر أكبر من السيطرة على الشؤون الداخلية. وسواء كان الحديث عن «الانفصال» في الولايات المتحدة، أو «التدوير المزدوج» في الصين، أو «الاستقلالية الاستراتيجية» في أوروبا، فإن الحوارات والمناقشات السياسية التي طال انتظارها، تجري الآن على قدم وساق.

هنا، أجد أن المحادثة الأوروبية مشجعة بشكل خاص، لأنها تركز على توجيه الرغبة في قدر أعظم من السيطرة على نحو يستبعد النزعة القومية الهازمة للذات.

بالطبع، من السابق للأوان، أن نعلن النصر في أي من معاركنا الحالية. فسوف يناضل بايدن لحكم بلد مستقطب، في مواجهة مقاومة شديدة من جانب الجمهوريين. ويشكل توصيل اللقاحات إلى العالم بأسره، تحدياً لوجستياً هائلاً. وقد تتسبب القوى العظمى المتنافسة، في عرقلة أجندة المناخ، وإخراجها عن مسارها خلال فترة التحضير لقمة المناخ (COP26)، التي تستضيفها غلاسكو في شهر نوفمبر. وقد يُـفضي تهديد الركود وأزمات الدين، إلى تفاقم واتساع فجوة التفاوت، ما ينذر بالعودة إلى سياسات أكثر سُـمّـية وخطورة. وسوف يتوقف إحياء الحلم الأوروبي، على نتيجة الانتخابات الوطنية الشديدة التنافسية والتنازع.

ولكن رغم كل هذا، مع اقتراب عام 2021، تبدو الأمور أفضل كثيراً مما كانت عليه قبل بضعة أشهر. والآن، لدينا خمسة أسباب على الأقل، للاحتفال بالعام الجديد.

* مدير المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية.

Email