لقاحات من أجل الإنسان لا الربح

ت + ت - الحجم الطبيعي

منحت التصريحات الأخيرة المتعلقة بالفعالية المؤكدة لتجارب اللقاح ضد فيروس «كورونا» المستجد الأمل في أن العودة إلى الحياة الطبيعية باتت وشيكة. تُعتبر البيانات الأولية الخاصة بلقاحات «الحمض النووي الريبوزي المرسال» (mRNA) الجديدة من قبل شركات «فايزر وبايونتك ومودرنا» مُشجعة للغاية، ما يشير إلى أن موافقتها على استخدام هذه اللقاحات في حالات الطوارئ أصبحت وشيكة. وكانت الأخبار الحديثة عن فاعلية لقاح «كورونا»، (وإن كان بمعدل أقل) الذي طورته شركة الأدوية «أسترازينيكا» بالتعاون مع جامعة أكسفورد سبباً في تعزيز التفاؤل بإحراز المزيد من التقدم في هذا الصدد.

من الناحية النظرية، يمثل وصول لقاح آمن وفعال بداية نهاية وباء «كوفيد19». في الواقع، نحن لسنا حتى في نهاية بداية تحقيق هذا المشروع الضروري وهو إنشاء «لقاح شامل» ضد هذا الفيروس.

لا شك أن العمل على إنتاج لقاحات في غضون أشهر يستحق الثناء. لقد حققت الإنسانية قفزة تكنولوجية هائلة إلى الأمام. لكن نقطة الانطلاق بدأت قبل عقود بالاستثمار العام الضخم في البحث والتطوير.

لكي يُساهم التقدم التكنولوجي في تحقيق هدف «الصحة للجميع»، يجب أن تكون الابتكارات التي تم تصميمها بشكل جماعي محكومة بالمصلحة العامة، وليس بالربح الخاص.

تتمثل الخطوة الأولى نحو تطوير لقاح آمن وفعال لجميع الناس في ضمان الشفافية الكاملة لنتائج التجارب السريرية، مما يسمح بإجراء تقييمات مُستقلة وفي الوقت المناسب للسلامة والفاعلية.

بالإضافة إلى ذلك، تظل الأسئلة الحرجة حول اللقاحات المُرشحة الرئيسية بدون إجابة. استجابة للضغوط السياسية والاقتصادية في البلدان ذات الدخل المرتفع، تُسارع شركات الأدوية لإيصال لقاحاتها المُرشحة إلى المراحل النهائية. وبناءً على ذلك، فقد تم تصميم المرحلة الثالثة من التجارب السريرية لتقديم معلومات إيجابية في أسرع وقت ممكن. كما أننا لا نعرف كم من الوقت ستستمر الحماية؛ وما إذا كان اللقاح يعمل بشكل جيد على الشباب وكبار السن على حد سواء، أو على الأشخاص المُصابين بأمراض مُصاحبة؛ وما هي أفضل اللقاحات المُرشحة؟. بشكل عام، تطالب الدول الغنية بـ 3.8 مليارات جرعة من مختلف الشركات المُصنعة للقاحات، مقارنة بـ 3.2 مليارات جرعة (بما في ذلك حوالي 700 مليون جرعة لمبادرة كوفاكس) لبقية العالم. بعبارة أخرى، طلبت البلدان المرتفعة الدخل جرعات كافية مُسبقًا لتغطية حاجة سكانها عدة مرات، تاركة بقية دول العالم بكميات ضئيلة للغاية لا تكفي حتى لتغطية مجتمعاتها الأكثر عُرضة للخطر.

وقد نواجه مشكلة المصالح الخاصة الضيقة، والتي تنبع من نموذج ابتكار صيدلاني حيوي مُمول بشكل مبالغ فيه.

في حين جلبت الأخبار حول اللقاحات الأخيرة بعض الأمل، فقد كشفت أيضًا عن نموذج الأعمال الفاشل لصناعة المستحضرات الصيدلانية، مما يلقي بظلال من الشك على احتمالات تقديم لقاح فعال للأفراد وتحقيق هدف «الصحة للجميع». قد تسمح لنا الأعمال كالمعتاد بالتغلب على هذه الأزمة. لكن هناك طريقة أفضل للقيام بذلك. قبل بروز جائحة جديدة، نحتاج إلى الاعتراف باللقاحات باعتبارها مشتركات الصحة العالمية، والبدء في إعادة توجيه نظام الابتكار نحو شراكات متكاملة بين القطاعين العام والخاص تحكمها المصلحة العامة.

 

* أستاذ اقتصاديات الابتكار والقيمة العامة في «يونيفرسيتي كوليدج لندن» والمدير المؤسس لمعهد UCL للابتكار والأغراض العامة، وهي رئيس مجلس منظمة الصحة العالمية لاقتصاديات الصحة للجميع.

Email