التعافي السريع من الركود

ت + ت - الحجم الطبيعي

تُـظـهِـر قطاعات كبيرة من الاقتصاد العالمي الآن العلامات التقليدية، التي تشير إلى التعافي على هيئة حرف V (التعافي السريع بعد ركود حاد).

تُـظـهِـر المؤشرات الشهرية للعديد من البلدان ارتدادات قوية في يونيو ويوليو، ويتراوح نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي (المعدل حسب التضخم) المتوقع من 10 % إلى 15 % في الربع الثالث، في حال بقاء كل الظروف الأخرى على حالها.

بكل تأكيد، هناك من الأسباب ما يدعونا إلى التساؤل حول ما إذا كان الارتفاع الملحوظ مجرد ارتداد فني ــ وهم ناتج عن عمق الانهيار الأولي الهائل.

قد تكون هذه هي الحال، وخصوصاً إذا عانت بلدان عديدة من موجة ثانية قوية من الإصابات بعدوى فيروس «كورونا» (كوفيد 19)، أو إذا تبين أن الآمال الكبرى في التوصل إلى لقاح مبكر كانت في غير محلها. لا أحد يستطيع أن يجزم على وجه اليقين. وسوف يكون لزاماً علينا أن ننتظر ونترقب الدلائل في حين تحاول البلدان إيجاد التوازن بين إدارة الفيروس وإعادة اقتصاداتها إلى طبيعتها.

وتؤشر الأرقام إلى بوارق أمل مهمة في ما يخص التعافي الاقتصادي ومن المرض.

هذا هو مبلغ علمنا الآن وقد اقتربنا من منتصف سبتمبر، ولكي نكون أكثر ثقة بشأن احتمالات التعافي الاقتصادي المستدام في أواخر 2020 وحتى عام 2021، فإننا في احتياج إلى مزيد من الأدلة، التي تشير إلى التقدم نحو التوصل إلى علاجات محسنة ولقاحات آمنة وفعّالة. ومتى أتيح اللقاح على نطاق واسع، فمن الممكن أن نتوقع المزيد من تسارع النشاط الاقتصادي. وسوف تبدأ الحياة تعود إلى القطاعات الأشد تضرراً ومعاناة بسبب بروتوكولات التباعد الاجتماعي.

في الواقع، ما لم تفشل جميع اللقاحات الواعدة المرشحة التي بلغت بالفعل المراحل الثالثة من التجارب، فيمكننا أن نتوقع التعافي في هذه القطاعات التي تضررت بشدة في وقت ما في الأشهر المقبلة، وعند هذه النقطة يصبح الأمل في التعافي الدوري قائماً على مبرر أكثر منطقية، لكن الأمر لا يخلو من عدد من القضايا البنيوية، التي يجب وضعها في الاعتبار.

بادئ ذي بدء، السؤال الأكثر إلحاحاً في هذا الخريف هو ما إذا كانت مجموعة العشرين، التي تتولى رئاستها حالياً المملكة العربية السعودية، قادرة على إحياء ذاتها وتسليم التعاون الدولي الحقيقي، كما فعلت بعد الأزمة المالية العالمية في 2008.

وفقاً لمنظمة الصحة العالمية، يحتاج العالم إلى ما يقرب من 35 مليار دولار لضمان توزيع اللقاحات بشكل عادل على 7.8 مليارات إنسان في العالم. وهذا مبلغ تافه مقارنة بما أنفقته العديد من بلدان مجموعة العشرين بالفعل لدعم اقتصاداتها المحلية. ومع ذلك فإن تمويل توزيع اللقاح بشكل شامل أمر بالغ الأهمية لضمان التعافي العالمي، وليس التعافي الذي يقتصر على البلدان، حيث يتاح اللقاح.

يتمثل أمر آخر على ذات القدر من الأهمية، وإن كان أقل تداولاً في المناقشات، في توازن القوى بين النمو المحلي والخارجي.

السؤال المفتوح المتبقي، والذي أثرته في تعليقات سابقة هذا العام، هو كيف سيستجيب صناع السياسات للتغيرات التي أحدثتها أزمة (كوفيد 19).

هل يتجهون نحو رعاية ثقافة أعمال جديدة تسعى إلى «تحقيق الربح الهادف»، وتشجيع (أو تملق) المزيد من الشركات لحملها على ملاحقة هدف إزالة الكربون وإيجاد الحلول للتحديات المجتمعية مثل مقاومة مضادات الميكروبات والتهديد المتمثل في خطر اندلاع جائحات أخرى في المستقبل؟ من المؤكد أن هذا سيكون تطوراً محموداً، ولن يكون تحقيقه أبعد كثيراً عن متناول حكوماتنا.

* رئيس مجلس إدارة جولدمان ساكس لإدارة الأصول سابقاً، ووزير الخزانة الأسبق في المملكة المتحدة، ورئيس معهد تشاثام هاوس حالياً.

 

Email