يدعو كثيرون إلى إصدار قرار رسمي بوقف مؤقت لسداد جميع أقساط الديون المستحقة على الاقتصادات النامية والناشئة، من أجل منع أزمة مرض فيروس «كورونا» المستجد (كوفيد 19) من إحداث تسونامي من التخلف عن سداد الديون السيادية. وفقاً لهذه الحجة، من الأفضل للدائنين أن يوافقوا الآن على تعليق السداد لبعض الوقت، بدلاً من الانتظار بسلبية إلى أن يتوقف المدينون عن الوفاء بالتزاماتهم.
ولكن على الرغم من أن التجميد الشامل لسداد الديون قد يساعد العديد من البلدان المنخفضة الدخل التي تفتقر إلى خيار أفضل، فإنه قد يؤدي إلى نتائج عكسية هَـدّامة عندما يتعلق الأمر بالاقتصادات الناشئة التي تحتفظ حالياً بإمكانية الوصول إلى الأسواق المالية. إن ما تحتاج إليه هذه البلدان الآن هو المزيد من تدفقات رؤوس الأموال إلى الداخل، وليس فرض القيود على التدفقات المتجهة إلى الخارج.
يفرض تعليق المدفوعات مشكلتين. فأولاً، تحتاج الاقتصادات الناشئة إلى تمويل صافٍ جديد ــ بعبارة أخرى، قدر أكبر من الموارد مقارنة بما قد يتاح من خلال تجميد التزامات خدمة الديون المستحقة عليها. وثانياً، ستواجه البلدان التي تشارك في توقف السداد إجراءات قانونية من قِـبَـل بعض حاملي الأسهم، ما يعرّض قدرتها على الوصول إلى أسواق رأس المال في المستقبل للخطر.
وقد يفرض تجميد سداد الديون مشكلة ضخمة بشكل خاص على البلدان التي لديها استثمارات أجنبية كبيرة في أسواق رأس المال بالعملة المحلية. وقد يفرض تدافع المستثمرين الأجانب إلى الخروج والمزيد من الضغوط على عملات الأسواق الناشئة، فيدفع معدلات التضخم بالتالي إلى الارتفاع، ويحد من السيولة المتاحة للتخفيف من العواقب الاقتصادية المترتبة على جائحة «كوفيد 19». أما فرض ضوابط رأسمالية لمنع التدفقات المالية من الخروج فهو اقتراح غير حكيم بذات القدر: ذلك أن رأس المال سيرحل على أية حال ويعيث فساداً في طريقه إلى الخروج.
في حين أن قرار وقف سداد ديون الأسواق الناشئة من شأنه أن يلحق بها أضراراً أكبر من أي نفع قد يعود به عليها، فمن غير الواقعي أن ننتظر من رأس المال الخاص أن يوفر التمويل الذي تحتاج إليه هذه البلدان الآن.صحيح أن العديد من الاقتصادات الناشئة استغلت أسواق السندات السيادية بشروط معقولة في أبريل. لكن هذه المبالغ صغيرة، نسبة إلى احتياج الاقتصادات الناشئة إلى ما يقدر بنحو 2.5 تريليون دولار من التمويل لعامنا هذا والعام الذي يليه.
علاوة على ذلك، ليس هناك ما يضمن نجاح إصدارات السندات في المستقبل. فمن غير المرجح أن تشهد الاقتصادات الناشئة تعافياً على هيئة حرف V (الارتداد السريع إلى الانتعاش بعد انخفاض حاد)، وهذا من شأنه أن يزيد من سوء تصنيفها الائتماني. سيستغرق التعافي بعض الوقت، كما سيأتي في موجات ــ شأنه في ذلك شأن الفيروس ــ فيؤدي هذا بالتالي إلى توليد المزيد من عدم اليقين. وفي ظل الإحباط الناجم عن الأرقام الاقتصادية العالمية المتواضعة، سيميل المستثمرون على نحو متزايد نحو الأصول الأكثر أماناً، وإلى التقليل من تعرضهم للاقتصادات الناشئة.
إذا لم يكن من المستحسن إصدار إيقاف مؤقت لسداد الديون ولا الاعتماد على رأس المال الخاص، فما العمل إذن؟
ستكون الاستجابة الأقرب إلى العمل كالمعتاد أن تسعى الاقتصادات الناشئة إلى الحصول على دعم إضافي من صندوق النقد الدولي وبنوك التنمية المتعددة الأطراف (والإقليمية). لكن هذه المؤسسات غير قادرة على توفير الموارد اللازمة. فصندوق النقد الدولي لا يملك أكثر من تريليون دولار، في حين لا تستطيع بنوك التنمية المتعددة الأطراف توفير ما يزيد على بضع مئات من مليارات الدولارات ــ ما يعكس عدم كفاية رأس المال لدى هذه المؤسسات وخوفها من خسارة تصنيفها الائتماني (AAA). وسوف يستغرق تجديد رؤوس أموالها سنوات، نظراً لعدد من العقبات ــ بما في ذلك في الكونجرس الأمريكي ــ بينما الأموال مطلوبة الآن.
يكمن الحل في البنوك المركزية التي تصدر عملات احتياطية، والتي ينبغي لها بالتالي أن تكون مهتمة حقاً بصحة الاقتصاد العالمي. وبالتنسيق مع صندوق النقد الدولي وبنوك التنمية المتعددة الأطراف، يجب أن تعمل على إنشاء أداة ذات غرض خاص تعمل كجسر بين الكم الهائل من السيولة العالمية المتاحة حالياً، واحتياجات التمويل المتنامية في الاقتصادات الناشئة.
على وجه التحديد، ستصدر الأداة ذات الغرض الخاص سندات، والتي ستشتريها البنوك المركزية الرائدة في إطار برامج التيسير الكمي لديها، ثم تُـقـرِض الاقتصادات الناشئة عائدات هذه السندات. ومع بعض التعزيزات الائتمانية، يمكن تحويل هذه القروض إلى أوراق مالية وتداولها مثل غيرها من الأصول المالية.
كما ستتولى بنوك التنمية المتعددة الأطراف هيكلة القروض الجديدة والإشراف عليها وخدمتها، وهو ما يمكن تبادله بين الأداة ذات الغرض الخاص وبنوك التنمية المتعددة الأطراف. وستقرر البنوك المركزية التي تموّل هذه الآلية أي الدول يمكنها الوصول إليها.
علاوة على ذلك، من الممكن أن تخدم الأداة ذات الغرض الخاص كوسيلة لتخفيف المخاطر بغرض جلب المزيد من رأس المال الخاص إلى الاقتصادات الناشئة. على سبيل المثال، يمكنها توفير ضمانات رأس المال للاستثمار المباشر الأجنبي في الشراكات بين القطاعين العام والخاص أثناء مرحلة التعافي بعد الجائحة.
أخيراً، يجب أن تستخدم بنوك التنمية المتعددة الأطراف ميزانياتها الخاصة بشكل أكثر فاعلية لدعم التعافي الاقتصادي. وهي قادرة على ذلك، وينبغي لها، تقديم الكثير ــ بدءاً بتحسين قدرتها على الوصول إلى مصادر بديلة للسيولة من أجل زيادة قدرتها المالية.
ومن الممكن أن تعمل الأداة ذات الغرض الخاص المقترحة على توفير دعم السيولة التي تفتقر إليها بنوك التنمية المتعددة الأطراف حالياً. الواقع أن مجموعة الشخصيات البارزة التابعة لمجموعة العشرين أوصت بهذا على وجه التحديد في تقرير صادر في عام 2018، والذي أشارت تقديراته إلى أن مثل هذا المرفق من شأنه أن يمكّن البنك الدولي من توسيع إقراضه بما لا يقل عن %10 وبنوك التنمية المتعددة الأطراف بقدر أكبر كثيراً.
بدلاً من إنشاء بنية مالية دولية جديدة في هذه الأوقات غير العادية، يجب أن يركز صناع السياسات على تعديل النظام الحالي. ومن الواضح أن إنشاء أداة ذات غرض خاص سيكون أكثر بساطة وسرعة من الخيارات البديلة التي تتطلب إجراءات تشريعية.
بطبيعة الحال، لن تؤدي آلية الإقراض العالمية الإضافية إلى حل كل المشاكل التي تواجهها الاقتصادات الناشئة اليوم. لكنها ستزوّدها ببعض الأدوات الجديدة. ويتطلب تجهيز هذه الآلية الحسم والتنسيق على المستوى الدولي ــ وهي ذات المبادئ التي ستساعدنا في إلحاق الهزيمة بالفيروس ذاته.
* وزير مالية كولومبيا الأسبق، وهو زميل متميز لمركز سياسة الطاقة العالمية في جامعة كولومبيا.