كيف يساعدنا العمل المناخي في مكافحة الجوائح؟

صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

تسببت أزمة مرض فيروس كورونا 2019 (كوفيد 19) في توقف الاقتصاد في مختلف أنحاء العالم. وتعطلت مساحات ضخمة من التصنيع، وأُغـلِـقَـت إلى حد كبير قطاعات مثل الطيران والسياحة.

وسط كل هذا الخراب الاقتصادي، أشار بعض المراقبين إلى جانب مشرق مفترض: والذي يتمثل في الهواء الذي بات أنظف. ولكن في حين أنه من الصحيح أن انخفاض تلوث الهواء اليوم من شأنه أن يبقي على حياة بعض الناس مؤقتاً، فمن الصحيح أيضاً أن شدة الرياح تكون أهدأ كثيراً في بؤرة الإعصار.

في العام الماضي، توفى ما يقرب من ستة ملايين شخص في مختلف أنحاء العالم نتيجة لتلوث الهواء الناتج عن إحراق الوقود الأحفوري. ومن المرجح أن يؤدي مثل هذا التلوث إلى عدد مماثل تقريباً من الوفيات في عام 2020، على الرغم من الهواء الأنظف نتيجة لعمليات الإغلاق بسبب جائحة (كوفيد 19).

يسبب تلوث الهواء الناتج عن إحراق الوقود الأحفوري نوبات قلبية، وسكتات دماغية، وسرطان الرئة، ومرض السكري. والأطفال الذين يتنفسون هواء ملوثاً هم الأكثر عُرضة للمعاناة من الربو. ومن الممكن أن يتسبب الهواء الملوث أيضاً في إيذاء النساء الحوامل، وقد يؤدي إلى ولادة أطفال خُـدَّج أو ناقصي الوزن.

لكننا قادرون على تقليل هذه الخسائر المتزايدة من صحتنا. مع عودة اقتصاداتنا إلى الحركة بعد انقضاء التهديد الذي تفرضه جائحة (كوفيد 19)، ينبغي لنا أن نعمل على تنفيذ الحلول المناخية الكفيلة ليس فقط بمنع الأضرار الناجمة عن تلوث الهواء، بل والتي قد تساعد أيضاً في إحباط الجائحة التالية.

قدمت دراسة حديثة قام بها بعض زملائي في جامعة هارفارد أول دليل واضح على أن أي زيادة صغيرة في التعرض الطويل الأمد لتلوث الهواء الجسيمي من الممكن أن تزيد بشكل كبير من احتمالات الوفاة بمرض فيروس كورونا 2019. كان هذا التأثير واضحاً حتى بعد احتساب عوامل أخرى، مثل الحالات الصحية الموجودة مسبقاً، والحالة الاجتماعية، والقدرة على الوصول إلى الرعاية الصحية.

على نحو مماثل، أظهر باحثون آخرون في السابق أن تلوث الهواء جعل الناس أكثر عُـرضة للوفاة بسبب متلازمة التهاب الجهاز التنفسي الحاد (سارس)، والذي يسببها فيروس آخر من سلالة كورونا. فقد وجدت دراسة أجريت عام 2003 أن من يعيشون في منطقة شديدة التلوث في الصين أكثر عُـرضة بنحو الضعف للوفاة بمرض سارس مقارنة بمن يعيشون في منطقة أنظف هواء.

وكانت معدلات الوفاة في المدن الصينية، حيث مستويات تلوث الهواء مرتفعة أو معتدلة نحو 8.9% و7.5% على التوالي، مقارنة بنحو 4% في المناطق، حيث تلوث الهواء منخفض. كما أظهرت أبحاث سابقة أن تلوث الهواء من الممكن أن يؤدي إلى تسارع انتشار أمراض الجهاز التنفسي المعدية.

ليس من المستغرب في هذا الضوء أن نجد أن المجتمعات التي تعاني بالفعل من تلوث الهواء ــ وهي غالبا مجتمعات الملونين والفقراء ــ كانت عُـرضة بشكل خاص لفيروس كورونا. والآن تتحمل هذه المجموعات السكانية عبئاً مزدوجاً: المرض الشديد في هيئة (كوفيد 19)، بالإضافة إلى الأضرار المعروفة الطويلة الأمد الناجمة عن استنشاق هواء ملوث.

كل هذا يؤدي إلى زيادة حدة أشكال الظلم الاقتصادي والاجتماعي القائمة. فالفقراء أكثر عُرضة لاستغناء أصحاب الأعمال عنهم أثناء الجائحة الحالية، حتى في الدول الأكثر ثراء، كما أنهم أكثر عُرضة للإصابة بالفيروس.

الواقع أن الحكومات قادرة على المساعدة في إنهاء هذه الحلقة المفرغة من خلال تسريع وتيرة العمل المناخي، بما في ذلك من خلال تبني أشكال الطاقة المتجددة ومنع إزالة الغابات. ومن خلال معالجة العوامل التي تدفع إلى ظهور وانتشار الأمراض المعدية، ستعمل مثل هذه السياسات على حماية الجميع، وخاصة أولئك الأكثر عُـرضة للخطر.

ولكن أثناء الجائحة الحالية، تحركت بعض الحكومات لإنقاذ الصناعات المسببة للتلوث وإضعاف معايير جودة الهواء. ففي الولايات المتحدة، قررت السلطات الفيدرالية، مستشهدة بأزمة (كوفيد 19)، تعليق تطبيق الضوابط التنظيمية البيئية.

وعلى الرغم من التأثير المتوقع على المناخ، بدأت أعمال بناء خط أنابيب النفط Keystone XL عبر حدود الولايات المتحدة وكندا، في حين ألغت إدارة الرئيس دونالد ترامب مؤخراً معايير كفاءة الوقود المستخدم في المركبات.

على نحو مماثل، خفضت جنوب أفريقيا معايير تلوث الهواء المفروضة على محطات توليد الطاقة التي تعمل بإحراق الفحم، مما سمح لها بإطلاق ضعف الانبعاثات من ثاني أكسيد الكبريت التي كانت مسموحة لها من قبل.

وفي البرازيل، تراجعت حماية الدولة لغابات الأمازون المطيرة، التي كانت في تضاؤل بالفعل قبل موسم الحريق، نتيجة لمخاطر (كوفيد 19)، مع خروج أعداد أقل من وكلاء فرض تدابير الحماية إلى الميدان.

اليوم، تركز الحكومات بحق على تلبية احتياجات مواطنيها الفورية. ولكن عندما نبدأ في إعادة البناء بعد انقضاء هذه الجائحة، يتعين علينا أن نمارس الضغوط على واضعي السياسات لضمان أن التغيرات البنيوية لن تعزز من سيناريو العودة إلى العمل المعتاد من خلال دعم الصناعات المحدثة للتلوث.

بدلاً من ذلك، يتعين علينا أن نعمل على تحسين جودة الهواء من خلال توسيع نطاق استخدام الطاقة المتجددة، وزيادة كفاءة استخدام الطاقة، وبناء شبكات نقل مبتكرة. سوف تنقذ هذه التدابير حياة البشر، وتحمي المجتمعات من مخاطر الأوبئة والجائحات، وتساعد في ضمان صيانة مناخ صالح لدعم الحياة من أجل أطفالنا.

على حد تعبير السكرتيرة التنفيذية لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ، باتريشيا إسبينوزا، مؤخرا: «يُـعَـد مرض فيروس كورونا 2019 التهديد الأكثر إلحاحاً الذي يواجه البشرية اليوم، ولكن لا يجوز لنا أن ننسى أن تغير المناخ يشكل التهديد الأكبر على الإطلاق الذي يواجه البشرية في الأمد البعيد». إنها مُـحِـقة، والتصدي للأزمة العالمية الأكبر التي يواجهها البشر يُـعَـد من أكثر الطرق فاعلية لدرء التهديدات الحادة مثل (كوفيد 19).

 

 

Email