الإمارات ودورها العالمي في تعزيز الذكاء الاصطناعي

صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

لقد مر أكثر من 500 عام منذ أن وجد السيد توماس مور إلهاماً لـ«مملكة يوتوبيا»، بينما كان يتجول في شوارع أنتويرب. لذلك، عندما سافرت إلى هناك في شهر مايو منطلقاً من دبي، للتحدث عن الذكاء الاصطناعي، لم أستطع مقاومة المقارنة مع رافائيل هثلوداي، الشخصية في يوتوبيا التي تمتع إنجليز القرن السادس عشر بقصص حول عالم أفضل.

وباعتبار الإمارات موطنًا لأول وزير في العالم للذكاء الاصطناعي، وموطناً للمتاحف والأكاديميات والمؤسسات المكرسة لدراسة المستقبل، فإنها برحلتها إلى العالم الهيثلودي وبينما أصبحت أوروبا، بشكل عام، تتحسب بشكل متزايد بشأن المسائل التكنولوجية التي تواجه التشغيل، رحبت الإمارات العربية المتحدة بحماس بإمكانات توفير العمالة التي يتمتع بها الذكاء الاصطناعي والتشغيل الآلي.

ولكن هناك أيضاً فرقاً ثقافياً أعمق بين المنطقتين. فعلى عكس أوروبا الغربية، مهد الثورة الصناعية، فإن المجتمعات العربية «لا تعيش من أجل العمل»، بل «تعمل من أجل العيش»، وتعطي قيمة أكبر لوقت الفراغ. وفي حين أن مثل هذه المواقف قد لا تتوافق بشكل خاص مع الأنظمة الاقتصادية التي تتطلب استخلاص الإنتاجية من العمل أكثر من أي وقت مضى، لكنها مناسبة تمامًا لعصر الذكاء الاصطناعي والتشغيل الآلي.

وفي الغرب الصناعي، تهدد القوى التكنولوجية العقود الاجتماعية التي ظلت قائمة منذ أمد طويل على الركائز الثلاث وهي رأس المال، والعمل، والدولة. ولقرون من الزمن، وفر رأس المال الاستثمار في الآلات، وشَغَّل العمال الآلات لإنتاج السلع والخدمات، وحصَّلت الحكومات الضرائب، ووفرت السلع العامة، وأعادت توزيع الموارد حسب الحاجة. لكن هذا التقسيم للعمل خلق نظامًا اجتماعيًا أكثر تعقيدًا بكثير من نظيرتها في العالم العربي وغيره من الاقتصادات غير الصناعية.

ومن جانبها، أمَّمت الدول العربية الموارد الطبيعية، وسيرت الصناعات الرئيسية، وانخرطت في التجارة الدولية، ووزعت الموارد الفائضة على المجتمع. وفي الآونة الأخيرة، كان النمو السكاني، وانخفاض الإيرادات من الموارد الطبيعية يهددان العقد الاجتماعي. ولكن عن طريق التقنيات التي يمكنها إنتاج وتوزيع معظم السلع والخدمات التي يتطلبها مجتمع ترفيهي بالأساس، يمكن، في الواقع، تعزيز العقد الاجتماعي الحالي بدلاً من عرقلته.

وإذا رجعنا إلى الغرب، يبدو أن الثورة التكنولوجية قد وسعت الفجوة بين مالكي رؤوس الأموال وغيرهم. إذ في حين أن الإنتاجية آخذة في الازدياد، تقلصت حصة العمالة من إجمالي الدخل. وبصرف النظر عن مالكي رؤوس الأموال، استحوذ مترفون من طبقة الترفيه، والورثة على حصة كبيرة من الفائض الناتج عن التقنيات المعززة للإنتاجية. وأكبر الخاسرين هم من يحصلون على دخل منخفض، ومن يتلقون تعليماً أقل.

ومع ذلك، حتى هنا، فإن التركيز على التأثير المحتمل للذكاء الاصطناعي على العلاقة بين رأس المال والعمالة، هي سياسة قصيرة النظر. ففي آخر المطاف، ارتفعت الشعوبية في العديد من الدول الغربية، في وقت كادت تكون فيه معدلات البطالة المنخفضة تاريخية. ويمكن القول إن السخط الحالي يعكس الرغبة في جودة حياة أفضل، وليس المزيد من العمل.

المشكلة هي أنه بموجب العقد الاجتماعي الغربي، يمكن أن تترجم الرغبة في مزيد من الراحة إلى تضارب متبادل في المطالب. إذ يريد الناخبون تخفيض ساعات العمل، ولكن بمدخول أعلى، ويتوقعون من الحكومات أن تواصل توليد إيرادات ضريبية كافية لتوفير الرعاية الصحية، والمعاشات التقاعدية، والتعليم. ولا عجب إن وصلت السياسة الغربية إلى طريق مسدود.

ولحسن الحظ، يمكن أن يوفر الذكاء الاصطناعي والابتكار المستند إلى البيانات طريقة للمضي قدمًا. وفي ما يمكن تصوره نوعاً من اليوتوبيا المثالية، يمكن التوفيق بين دولة أكبر وميزانية أصغر، لأن الحكومة سيكون لديها الأدوات لتوسيع نطاق السلع، والخدمات العامة بتكلفة بسيطة للغاية.

إن أكبر عقبة ستكون ثقافية: إذ في وقت مبكر من عام 1948، حذر الفيلسوف الألماني جوزيف بيبر من «بروليتارية» الناس، ودعا إلى أن تكون أوقات الفراغ أساس الثقافة. وسيتعين على الغربيين أن يتخلوا عن هوسهم بأخلاقيات العمل، وكذلك استياءهم الراسخ تجاه «الانتهازيين». وسيتعين عليهم كذلك البدء في التمييز بين العمل الضروري للعيش بكرامة، والعمل الموجه نحو تكديس الثروة والوصول إلى مركز اجتماعي. وقد يقصى الخيار الأول.

ومع التفكير الصحيح، يمكن لجميع المجتمعات البدء في صياغة عقد اجتماعي جديد يحركه الذكاء الاصطناعي، حيث ستحصل الدولة على حصة أكبر من العائد على الأصول، وتوزع الفائض الناتج عن الذكاء الاصطناعي والتشغيل الآلي على السكان. وستنتج الآلات التابعة للملك العام مجموعة واسعة من السلع والخدمات، بما في ذلك الأدوية العامة، والأغذية، والملابس والإسكان، و البحوث الأساسية، والأمن والنقل.

وسينظر البعض إلى هذه النفقات على أنها تدخل غير مبرر في السوق؛ وسيشعر آخرون بالقلق من أن الحكومة قد تفشل في تلبية الطلب العام على مختلف السلع والخدمات. ولكن، مرة أخرى، هذه الحجج قصيرة النظر. وبالنظر إلى وتيرة التقدم في الذكاء الاصطناعي،والتشغيل الآلي، فإن أنظمة الإنتاج المملوكة للدولة - التي تعمل دون توقف - سوف تتمتع بقدرة إمداد تكاد تكون غير محدودة. وسيكون القيد الوحيد هو الموارد الطبيعية، وهو عائق سيستمر في دفع الابتكار التكنولوجي نحو البحث عن إدارة أكثر استدامة.

وفي يوتوبيا الذكاء الاصطناعي، سيكون التدخل الحكومي هو القاعدة، والإنتاج الخاص هو الاستثناء. وسوف يصحح القطاع الخاص الفشل الحكومي أو الجماعي، بدلاً من تصحيح الحكومة لفشل السوق.

تخيل السفر إلى الأمام، في الوقت المناسب، إلى عام 2071، الذكرى المئوية لدولة الإمارات العربية المتحدة. آنذاك، سيحمل رافائيل هثلوداي، وهو يزور أنتويرب منطلقاً من دبي الأخبار التالية: حيث أعيش، تمتلك الحكومة الآلات التي تنتج معظم السلع، والخدمات الضرورية، وتديرها أيضاً، مما يسمح للناس بقضاء أوقاتهم في الترفيه، والإبداع. ونُقلت جميع المخاوف بشأن معدلات التوظيف والضرائب إلى الماضي. قد يكون هذا هو عالمك أيضًا.

 

 

Email