أخلاقيات التضامن والمسؤولية تصون المناخ

كمال درويش - المدير السابق لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي. زميل أقدم في معهد بروكينغز.

ت + ت - الحجم الطبيعي

أجمع العلماء إجماعاً ساحقاً، على أن هذا العقد سيكون الفرصة الأخيرة أمام البشرية، لتغيير المسار العالمي الحالي لانبعاثات ثاني أكسيد الكربون، بحيث يمكن للعالم أن يقترب من مستوى صافي صفري من الانبعاثات بحلول عام 2050، ومن ثم، تجنب احتمال مخاطر المناخ الكارثية.

ولكن على الرغم من أن التغييرات التكنولوجية والاقتصادية الهائلة، المطلوبة لتحقيق هذا الهدف مفهومة جيدًا، إلا أنه نادراً ما تناقش آثارها السياسية.

وبينما أسس نشطاء المناخ حركة دولية ملفتة للانتباه، حيث وسعوا نطاق دعمهم السياسي، وعبروا الحدود، حققت حجج بعض الدول باعتبارات وطنية وقومية محددة تبرر عدم التزامها الكامل، مكاسب كثيرة في السياسة الداخلية حول العالم.

وعلى الرغم من أن انبعاثات غازات الدفيئة لا تحترم الحدود السياسية، وأن تغير المناخ يؤثر على جميع أجزاء الكوكب، إلا أن تأثير الاحتباس الحراري ليس موحداً. وسيؤدي ارتفاع متوسط درجة الحرارة في العالم بمقدار 2 درجة مئوية، إلى إحداث ضغط حراري شديد في العديد من الدول.

وكذلك، على الرغم من أن ارتفاع منسوب مياه البحر سيهدد المناطق المنخفضة حول العالم، وستؤثر أحداث الطقس الأكثر تطرفًا على الجميع تقريبًا، فإن السكان الفقراء، والضعفاء، معرضون للخطر بشكل خاص. والجانب الدولي الآخر للمشكلة، هو تسرب الكربون نتيجة للتجارة.

إن الفوائد الصافية التي ستكتسبها جميع البلدان من التحكم في ظاهرة الاحتباس الحراري واضحة، لأن نقاط التحول المختلفة، (وإمكانية التأثيرات المتتالية) تمثل مخاطر عالمية هائلة، ليس فقط على الأجيال القادمة.

وفضلا عن ذلك، يوفر الاقتصاد الأخضر فرصًا كبيرة على المدى المتوسط. ولكن المؤسف أنه تحاول الكثير من الحكومات زيادة مكاسبها إلى الحد الأقصى، وتقليل خسائرها إلى الحد الأدنى، وفقًا لمنظور حدودي وقومي ضيق- وغالبًا في الأطر السياسية القصيرة الأجل. ويعكس إخفاق المفاوضات الأخيرة لقمة المناخ ال25 في مدريد، هذه الصعوبات جيداً.

وهكذا، فقد أدركت حركة المناخ إدراكاً صحيحاً، أن النجاح سيتطلب أخلاقيات كوكبية قائمة على التضامن، والمسؤولية العالميين، مع أي حل ذي مصداقية، يشمل بالضرورة تعويض الخاسرين المؤقتين من السياسات الخضراء.

وقد يكون التضامن على شكل تحويلات مالية مباشرة، أو اتفاقية عالمية لتغيير أهداف الانبعاثات الوطنية، أو ضرائب الكربون وفقًا لمستويات دخل الدول. ولهذا السبب، يشكل تغير المناخ معضلة واضحة بالنسبة لليمين السياسي.

فمن جهة، أصبح عدد متزايد من الناخبين- بما في ذلك العديد من المحافظين- أكثر حساسية تجاه التحدي المناخي، حيث يتأثرون بأحداث الطقس المتطرفة، وتلوث الهواء الناتج عن انبعاثات غازات الدفيئة بشكل مباشر. وأصبح بعض الناخبين الشديدي التدين، متعاطفين مع نداءات المحافظين.

كما أن بعض الحكومات التي تدعي أنها ملتزمة بأهداف التخفيف الشاملة (وغير الطموحة بشكل كاف)، في اتفاقية باريس المناخية لعام 2015، تتردد عندما يتطلب العمل تضحية كبيرة قصيرة الأجل. ويبدو أنه من دون تضامن قوي، من غير المرجح أن توضع التدابير القاسية، والتسويات الصعبة، اللازمة لحماية العالم من تغير المناخ المدمر في وقت قريب– هذا إن وضعت أصلاً.

وإذا كانت هناك فجوة سائدة بين السرد القومي والأممية الخضراء، خلال العقد الثاني من القرن الواحد والعشرين، فإن مناقشة المناخ، قد تنقل القضايا العالمية إلى السياسة الوطنية كما لم يحدث من قبل. والنتيجة، بالطبع، غير واضحة حتى الآن.

 

 

Email