العالم بات أكثر اعتماداً على الصين

صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

لأكثر من عقد من الزمان، كانت الصين قلقة للغاية بشأن احتمال بقائها عالقة في مستوى دخل أقل من نظيره على مستوى العالم المتقدم «فخ الدخل المتوسط». ولكن اقتصاد البلاد يحقق قفزات نوعية وفي طريقه للقضاء على هذا الخوف: إذ كان النمو أسرع، وكان يقوده المزيد من الابتكار، مقارنةً بمعظم البلدان الأخرى متوسطة الدخل.

ومع ذلك، يتعرض جانب رئيس لنموذج النمو في الصين، وهو اندماج الاقتصاد في سلاسل القيمة العالمية، للضرر الآن من عدة اتجاهات. وستحدد كيفية استجابة الصين لهذا التحدي سرعة نموها وطبيعته، وكذلك نمو الاقتصاد العالمي.

وفي الفترة التي سبقت الأزمة المالية في عام 2008، توسعت سلاسل القيمة العالمية بسرعة، وشكلت في نهاية المطاف حوالي %70 من التجارة الدولية. ولكن في السنوات التي تلت ذلك، ركدت تلك السلاسل وتراجعت أهميتها قليلاً.

وفي واقع الأمر، كان معظم هذا التغيير محفزاً من قبل الصين، التي قلصت تقليصاً جذرياً استخدامها للمدخلات الأجنبية، عن طريق إنتاج المزيد من هذه المنتجات محلياً، وتصدير المزيد من السلع الوسيطة.

ونتيجة لذلك، أصبحت آسيا، التي كانت في السابق مورِّداً مهماً للسلع الوسيطة إلى الصين، تمثل الآن نصيباً أقل في سلاسل القيمة العالمية مقارنة بما كانت عليه سابقاً. وفي الوقت نفسه، زاد الاعتماد الأوروبي على الصين على حساب سلاسل القيمة داخل أوروبا. وقد استوعبت الولايات المتحدة بعض الزيادة في الصادرات الصينية الوسيطة، ما قلل من نصيبها في سلاسل التجارة العالمية.

وتشير أليسيا غارسيا هيريرو من بروغيل، إلى أن التأثير الصافي لكل هذا هو أن الصين أصبحت أقل اعتماداً على العالم، وأن العالم أصبح أكثر اعتماداً على الصين. إن مصير أنظمة الإنتاج العابرة للحدود، والتي تتسم بالكفاءة والفعالية اليوم، أصبح الآن في الميزان. إذ ترتبط هذه الأنظمة بتقنيات محددة، وتعد جزءاً لا يتجزأ من نماذج النمو.

ولكنها أيضاً ترتيبات سياسية واجتماعية، ما يجعلها عرضة للصراع الجيوسياسي، والجغرافي الاقتصادي. وبسبب هذه الثغرات، سيتعين على الجهات الصينية بناء سلاسل الإمداد الخاصة بها، وتحديد مكان إنتاج السلع والخدمات.

وفضلاً عن ذلك، تعمل الصين على تغيير نموذج النمو الخاص بها، بما في ذلك النموذج الذي يقوده الاستثمار، والنموذج الذي يقوده الابتكار. وسيتطلب تحقيق هذا التحول دعم الابتكار عن طريق دخول الشركات وخروجها، وليس داخل الشركات القائمة.

وعلى النظام المالي الصيني التغلب على تحديات في تقديم الائتمان للشركات الصغرى، والتخلص التدريجي من الدعم لشاغلي الوظائف منخفضة الإنتاجية. وأصبح تطبيق المنافسة العادلة يحظى بأهمية متزايدة.

وعلى نطاق أوسع، يتحدى التغير التكنولوجي السريع سلاسل القيمة الحالية باستمرار. كما أن تحول التركيز من نقل البضائع والخدمات إلى المعلومات - التي تخضع لرقابة مشددة عن طريق هياكل الشركات متعددة الجنسيات - يعزز التشرذم الذي نتج بالفعل عن زيادة التخصص.

وحالياً، عوض إنتاج سيارة بأكملها، يمكن لبلد ما التركيز على جعل جزء صغير - على سبيل المثال، ناقلات الحركة - لتكون جزءاً من سلسلة القيمة. ولكن الروبوت الآلي، والذكاء الاصطناعي، يقودان تحولاً في مكان حدوث الإنتاج.

وتستثمر الصين، من جانبها، بكثافة في هذه التقنيات حتى تتمكن من تشكيل سلاسل القيمة المستقبلية. وسيؤدي تسارع التغيير التكنولوجي إلى زيادة سرعة دوران أرباب العمل، والمهن، والوظائف، ما يعني زيادة عدم اليقين بالنسبة للأفراد. والأسوأ من ذلك، أن عدم المساواة يتعمق داخل البلدان، وتعزز أنماط النمو الحالية التباينات الحضرية/‏‏ الإقليمية في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك الصين.

وأصبحت أسواق العمل في كل من الاقتصادات المتقدمة والناشئة، أكثر استقطاباً مع اختفاء الوظائف ذات المهارات المتوسطة. وتغذي التوترات الاجتماعية الناتجة الشعوبية، التي يجب مواجهتها بالسياسات التي تؤكد تكافؤ الفرص، وتحسين شبكات الأمان الاجتماعي.

ومع ذلك، فإن التهديد الأكثر إلحاحاً الذي يواجه سلاسل القيمة العالمية ودور الصين فيها، يأتي من طبيعة العلاقات الحالية بأمريكا. إذ عن طريق إبعاد الموردين الصينيين عن الأجزاء المهمة من سلاسل القيمة، تجبر الولايات المتحدة الصين على مواصلة «فك الارتباط»، والذي من المرجح أن يكون مكلفاً للغاية بالنسبة للجانبين، نظراً لمدى الترابط الوثيق بين الولايات المتحدة والاقتصاد الصيني.

ولا يمكن المبالغة في تقدير المخاطر طويلة الأجل في مثل هذا العالم.

وسيكون النهج الأكثر اتساماً بالطابع البناء بالنسبة للمنتجين الصينيين، هو بناء سلاسل القيمة الخاصة بهم، في إطار بنية مفتوحة تسمح للشركات الأكثر كفاءة بخلق حالات الفصل من أجل الحد من نقاط كثيرة في الوقت نفسه، يمكن أن يشجع تحدي أمريكا من جانب واحد لمشاركة الصين في سلاسل القيمة العالمية، الصين على لعب دور أكثر نشاطاً في تشكيل تعددية جديدة للقرن الواحد والعشرين.

ويمكن أن تمثل الحرب التجارية والتكنولوجية المستمرة فرصة للصين حتى توسع شبكات إنتاجها في آسيا، حيث تكون متخلفة حالياً، وتقلل من تعرضها للمخاطر في أوروبا، وفي مناطق أخرى في الغرب.

إن مثل هذه الدفعة ستواجه مقاومة منطقية من الدول الآسيوية التي تشعر بالقلق بالفعل من النفوذ الصيني؛ لكن المصالح الاقتصادية قد تسود. والسؤال، في نهاية المطاف، هو ما إذا كانت الصين هي التي ستشكل معايير التكنولوجيا في آسيا، وما الآثار المترتبة عن هذه النتيجة بالنسبة لبقية العالم.

 

 

Email