أوروبا والهوية الخضراء الجديدة

  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

إن أعلام أغلب بلدان العالم متعددة الألوان، ويُـعَد الاتحاد الأوروبي الذي يرفع علماً أزرق اللون، إلى جانب الصين التي ترفع علماً أحمر اللون، من الكيانات القليلة الأحادية اللون، ولكن من الواضح أن هذه الحال تبدلت، فالمشروع الجديد المميز للاتحاد الأوروبي يصبغه باللون الأخضر.

في اجتماع جرى في منتصف شهر ديسمبر الماضي، أقر قادة جميع دول الاتحاد الأوروبي باستثناء واحدة (بولندا وليس المملكة المتحدة) رسمياً هدف تحقيق الحياد المناخي (أي خفض الانبعاثات الصافية من الغازات المسببة للانحباس الحراري الكوكبي إلى الصِفر) بحلول عام 2050.

تريد رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين الذهاب إلى ما هو أبعد من هذا، فهي تخطط لتقديم «قانون المناخ» في مارس المقبل لضمان توجيه جميع السياسات الأوروبية نحو هدف الحياد المناخي، وهي تريد الحصول على موافقة الدول الأعضاء في الصيف المقبل على خفض الانبعاثات بنحو 50% إلى 55% في غضون الفترة من 2017 إلى 2030، وهي تقترح أيضاً تخصيص نصف تمويل بنك الاستثمار الأوروبي وربع ميزانية الاتحاد الأوروبي للأهداف المرتبطة بالمناخ، وتخصيص 100 مليار يورو (111 مليار دولار) لدعم المناطق والقطاعات الأكثر تضرراً بإزالة الكربون، وإذا تقاعست دول من خارج الاتحاد الأوروبي، فإنها تعتزم اقتراح فرض تعريفة على الكربون.

الواقع أن الخطط الكبرى لمستقبل بعيد أمر مثير للشكوك عن حق.

فمن منظور القادة الحريصين على تعظيم فرص إعادة انتخابهم كل أربع أو خمس سنوات، لا يعتبر تحديد هدف لعام 2050 ملزماً بأي حال، وينبغي لنا أن نتوقع معركة حامية الوطيس، فسوف تكون المعارضة شرسة من قِبَل الدول الأعضاء المنتجة للوقود الأحفوري، والقطاعات الكثيفة الاستخدام للطاقة، والصناعات الحساسة للتجارة، والأسر التي تعتمد على السيارات، لكن الاتحاد الأوروبي استثمر في التحول الأخضر بالفعل قدراً كبيراً من رأس ماله السياسي، حتى إن الفشل في الوفاء بتعهداته من شأنه أن يلحق الضرر الشديد بشرعيته، والصفقة الخضراء ليست مجرد واحد من مشروعات الاتحاد الأوروبي العديدة، بل إن هذه الصفقة تمثل المهمة الجديدة المميزة للاتحاد.

لنفترض إذاً أن الاتحاد الأوروبي ملتزم بخطة فون دير لاين، فهل تصادف هذه الخطة النجاح؟

مقارنة بما وافقت كيانات أخرى ضخمة مصدرة للانبعاثات على القيام به، فإن هدف الاتحاد الأوروبي المقترح طموح للغاية، لكنه لا يفي برغم ذلك بما هو ضروري لحماية مناخ العالم، فلمنع الارتفاع في درجة الحرارة من تجاوز العتبة الآمنة البالغة 1.5 درجة مئوية فوق مستوى ما قبل الصناعة، لا بد من منع المزيد من الانبعاثات التراكمية العالمية في المستقبل من تجاوز سبعة أضعاف المستوى الحالي، فعند مستويات الانبعاثات السائدة (التي لا تزال ترتفع)، سوف تستنفد ميزانية الكربون الإجمالية في غضون سبع سنوات.

الواقع أن ميزانية الكربون الإضافية التي يحددها الاتحاد الأوروبي في إطار خطته الفائقة الطموح تعادل ما يقرب من خمسة عشر عاماً من مستويات الانبعاث الحالية (أقل بعض الشيء إذا وضعنا في الاعتبار الجهود المستقبلية مقدما)، ولأن البلدان النامية يجب أن تخصص لها ميزانية أكبر نسبياً من ميزانية الاقتصادات المتقدمة، فسوف تظل الانبعاثات العالمية أعلى مما ينبغي كثيراً حتى لو قررت جميع البلدان على نحو مفاجئ محاكاة الاتحاد الأوروبي، الحقيقة المحزنة هي أن هدف الدرجة ونصف الدرجة المئوية بعيد المنال بالفعل، وأن خطة الاتحاد الأوروبي الجديرة بالثناء تمثل الحد الأدنى.

ولكن هل هذه الخطة واقعية؟ من الصعب أن نجزم بهذا في هذه المرحلة المبكرة، ولكن من الواضح بالفعل أنه من غير الممكن تعبئة النطاق الكامل من أدوات السياسة المطلوبة على مستوى الاتحاد الأوروبي وحده، يتخذ الاتحاد الأوروبي القرار بشأن مزيج الطاقة في الدول الأعضاء، ومعايير الإسكان، والضرائب، والاستثمار العام، وسوف يعتمد الكثير على الملكية الوطنية للأهداف المشتركة التي تظل غير متساوية حالياً في أقل تقدير.

كثيراً ما يضع دعاة المناخ المحبطون ثقتهم بالأدوات المالية، وبعد أن خسروا معركة الضوابط التنظيمية الصارمة والضرائب الرادعة، فإنهم يأملون أن يقوم التمويل الأخضر بهذه المهمة، صحيح أن عدداً متزايداً من المستثمرين يبتعدون عن الأصول «البنية»، سواء باختيارهم أو بسبب تحذير الهيئات التنظيمية من أن حقول النفط ومصانع الفحم ربما تفقد قدراً كبيراً من قيمتها وتتحول إلى أصول «مهجورة»، وصحيح أن المحاباة التنظيمية للاستثمار الرحيم بالمناخ، والتخلص من المخاطر من خلال الهندسة المالية، وإعانات الدعم الائتمانية، من الممكن أن تحفز تكوين رأس المال الأخضر، وحتى البنوك المركزية تناقش بنشاط ما يمكنها القيام به من أجل المناخ.

لكن مثل هذه الأساليب غير فعّالة، فقد يساعد الصد المالي على كبح جماح الاستثمارات القذرة، وقد تساعد مجموعة كبيرة من الحوافز على تشجيع استثمارات نظيفة، ولكن بتكلفة اقتصادية عالية، وما دامت السياسة المناخية لا تتمتع بمصداقية كاملة، فإن توفير كل طن من الغازات المسببة للانحباس الحراري الكوكبي يترتب عليه المزيد من الخسائر في الناتج مقارنة بما إذا كان سعر الكربون في الغد متوقعاً، وكما أظهرت إعانات دعم شراء المركبات الأنظف، فإن دعم التكنولوجيات الخضراء ربما يؤدي إلى زيادة استهلاك الطاقة ما لم يقترن بفرض الضريبة على الكربون.

في نهاية المطاف، سوف يتوقف النجاح إلى حد كبير على ما إذا كان تخضير الاقتصاد ليساعد على خلق فرص العمل والازدهار.

تزعم المفوضية الأوروبية أن الصفقة الخضراء هي «استراتيجية النمو الجديدة» لأوروبا، وسوف يثير هذا غضب أنصار «عدم الاعتماد على النمو»، لكن المفوضية كانت محقة في تأكيد حقيقة مفادها أن إزالة الكربون والنمو لا بد أن يسيرا جنباً إلى جنب، إن الانتقال إلى حيادية الكربون من شأنه أن يدمر الثروة ويتسبب في خسارة الوظائف في القطاعات الكثيفة الاستهلاك للطاقة، وهو يتطلب تغيير نمط الحياة، ولن ينتزع القدر الكافي من الدعم للتغلب على المعارضة إلا إذا عمل على توليد دينامية اقتصادية.

تزعم المفوضية أن خطتها ستحفز 260 مليار يورو من الاستثمارات الإضافية سنوياً، ومن الممكن مناقشة التفاصيل، ولكن كتقدير تقريبي لما هو مطلوب يبدو الرقم معقولاً، غير أن هذا الاستثمار لن يتحقق إلا على أساس التنفيذ المستدام الشامل والجدير بالثقة للمخططات التي لا تزال أولية.

عندما هبط المستكشف الإسباني هيرنان كورتيس على أرض فيراكروز في المكسيك قبل 500 عام، أمر قواته بحرق سفنهم، وعندها فقط أدركت الوحدة الهزيلة حقاً أن النصر هو الخيار الوحيد، ومن خلال إعلان صفقته الخضراء الجديدة، فعل الاتحاد الأوروبي الشيء ذاته.

* كبير زملاء مركز بروجل البحثي الذي يتخذ من بروكسل مقراً له.

Email