الصين وأمريكا.. وضرورات الثقة والوئام

أندرو شينغ - زميل متميز في معهد آسيا العالمي بجامعة هونغ كونغ.

ت + ت - الحجم الطبيعي

انتشرت في السنوات الأخيرة مخاوف من اندلاع حرب باردة جديدة بين الولايات المتحدة والصين. لكن يمكن وصف التوترات القائمة بين القوتين بشكل أفضل باعتبارها «حرباً فاترة»، لا تتسم بمجالات المصالح القديمة، والحروب بالوكالة، والتهديد «بالتدمير المتبادل المؤكد»، بل تتسم بمزيج غير مسبوق يجمع بين المنافسة الواسعة النطاق والترابط العميق.

حقاً هناك جوانب خطرة، لكن من الممكن أيضاً أن تترتب على مثل هذه الحرب نتائج مربحة لأحد الطرفين أو حتى لكليهما. وأياً كان ما سيحدث، ستتردد آثار هذه النتائج في جميع أنحاء العالم.

تقدم الحرب التجارية الحالية بين أمريكا والصين، مثالاً صريحاً على ديناميكيات الحرب الفاترة. نظراً لمدى الترابط العميق بين الاقتصادين الأمريكي والصيني - مع بعضهما بعضاً ومع بقية العالم - فسوف يفوز جميع الأطراف إذا ما تمت تسوية الحرب التجارية. لذلك فإن التوصل إلى اتفاق «المرحلة الأولى» للتجارة في الآونة الأخيرة يُعَد من الأخبار السارة.

هناك مصلحة عالمية وفوائد كبيرة في وئام ووفاق الطرفين، تفرض ضرورة استبعاد المنافسة والشقاق، فمثلاً في مجال التكنولوجيا، ستؤدي المنافسة الصينية الأمريكية إلى ظهور نظامين بيئيين منفصلين للابتكار، لكل منهما معايير وتقنيات أساسية مختلفة. وهذا من شأنه أن يزيد بشكل كبير من تكاليف البحث والتطوير، ويعمق مخاطر حدوث اضطرابات جهازية مدمرة - وسيكون ذلك بمثابة خطوة مكلفة إلى الوراء بعد عقود من العولمة. من شأن هذا التفكك أيضاً أن يمزق أنظمة الحوكمة العالمية.

لتجنب هذه النتيجة، يتعين على الولايات المتحدة والصين اتخاذ خطوات تهدف إلى بناء الثقة، وتعزيز التعاون، وتحسين الضوابط التي تحكم السياسات. ولا يعني ذلك أن يتفقا على كل شيء. لكن بدلاً من ذلك، وتماشياً مع المثل الصيني «لا تُبنى الصداقة دون معارك»، ينبغي لهما التعبير عن خلافاتهما بوضوح واحترام، والتأكيد على خطوطهما الحمراء بكل صدق. وفي الواقع أنه لا مفر من المنافسة الاستراتيجية بين الدولتين، لكن ليست جميع الأدوات أو القضايا مناسبة لاستخدامها في خوض منافسة عادلة. لحسن الحظ، هناك إشارات توحي بأن المفاوضين التجاريين الأميركيين، على الأقل، يعترفون بالخطوط الحمراء لأيديولوجية الصين.

هذا لا يعني أن الصين ليس لديها أي تنازلات - أو أنها لا ترغب في تقديمها. في الواقع، تلتزم البلاد بمواصلة فتح اقتصادها ونظامها المالي، تماشيا مع مطالب الولايات المتحدة، وأهداف الإصلاح البنيوي طويلة الأجل. ويؤيد هذا المسعى نشاط التنمية الطموح الذي تضطلع به الحكومة لتطوير التجمعات الحضرية الديناميكية، مثل منطقة الخليج الأكبر، وكذلك تدابيرها الرامية إلى تحسين سبل الاستدامة.

كذلك أبدت الصين الاستعداد للتعاون في توفير المنافع العامة العالمية من خلال المشاركة في الأطر والاتفاقيات متعددة الأطراف. كما استخدمت ثروتها للاستثمار في الابتكار ودعم التنمية خارج حدودها.

إن الحرب الفاترة بين الجانبين تقوض جهود ومساعي الوئام بين الطرفين.. ويستلزم الحد من تداعياتها أن يدرك كل منهما حقيقة أنه، في هذا العالم المترابط، تتحول الجهود الرامية إلى تعزيز وضعه الخاص إلى وسيلة تدمير ذاتية عندما تتسبب في تقويض الاستقرار والديناميكية العالميين.

 

 

Email