الركود الاقتصادي القادم في أوروبا.. محاذير واحتمالات

ت + ت - الحجم الطبيعي

من المرجح أن تؤثر المشاكل الداخلية لأوروبا على انتخابات البرلمان الأوروبي في مايو المقبل، وذلك جراء الخلافات مع الحكومة الشعبوية في إيطاليا بسبب موازنتها، وإلى الجبهة المعادية للأجانب التي تشكلت في بلدان مجموعة فيزيجراد، التي تضم جمهورية التشيك وهنغاريا وبولندا وسلوفاكيا. إن أزمة الأحزاب الوسطية التقليدية التي كانت ضرورية من أجل أن يكون هناك توافق ضمن الاتحاد الأوروبي -حتى لو عانت من أجل تطبيق الإصلاحات الضرورية- هي أيضاً بعيدة عن الحل ولكن لو صحت المؤشرات الحالية عن مواجهة أوروبا لركود اقتصادي، فإن الجدل والمناقشات لفترة قبل الانتخابات قد تتغير بشكل كبير.

لقد كان الطرح السائد حتى قبل بضعة أشهر أن الأزمة الاقتصادية انتهت حتى بالنسبة للبلدان التي تأثرت بشكل كبير في أطراف الاتحاد الأوروبي، وكنتيجة لذلك قام الأوروبيون بتحويل انتباههم إلى قضايا أخرى، مثل اللاجئين والأمن، التي كانت تهدد الاستقرار السياسي وتؤثر سلباً على التوافق بالنسبة للمشروع الأوروبي، لكن الناتج المحلي الإجمالي في منطقة اليورو كان قد بدأ بالتباطؤ منذ أن وصل للذروة في الربعين الثالث والرابع من سنة 2017. إن الضعف المستمر لاقتصاد منطقة اليورو- حتى في ألمانيا أدى إلى أن انكمش الناتج المحلي الإجمالي في الربع الثالث من سنة 2018 وذاك لا يبشر بالخير بالنسبة للاتحاد الأوروبي والذي قد يواجه أزمات سياسية واقتصادية.

إن السؤال الواضح هو لماذا يضعف الانتعاش الاقتصادي في منطقة اليورو، حتى في خضم سياسات نقدية توسعية داعمة إلى حد كبير وفي واقع الأمر لو افترضنا أن النمو قد وصل لذروته، فإن هذا يوحي بأن النمو المحتمل لمنطقة اليورو هو نحو 1%. إن هذه النسبة من النمو المحتمل بالناتج- نحو نصف الاتجاه في مرحلة ما قبل الأزمة- يصاحبه معدل بطالة إجمالي يصل إلى نحو 8%.

إن تراجع النمو في منطقة اليورو يعكس مشاكل هيكلية قديمة وجديدة وإرث الأزمة الأخيرة (التي لا تزال تؤثر على جودة أصول البنوك) ومستويات دين مرتفعة في بعض البلدان والصدمات الخارجية التي أثرت على الطلب، أي بعبارة أخرى، تواجه أوروبا تحديات لنموها المحتمل إضافة إلى القوى الدورية السلبية وتلك الأخيرة على وجه الخصوص، تتطلب رداً هجومياً لأسباب ليس أقلها أنه لو دخل اقتصاد منطقة اليورو بمرحلة الركود في المستقبل القريب، فإنه سيكون لديه أدوات سياسة محدودة من أجل مكافحته.

بينما لدى أوروبا أدوات أفضل لإدارة الأزمة مقارنة بفترة الركود السابقة سنة 2011، إلا أنها لا تزال غير مكتملة وإضافة إلى ذلك فإن البنك المركزي الأوروبي لديه مساحة أقل لاستخدام السياسة النقدية لتحفيز الاقتصاد: إن معدلات الفائدة تساوي صفراً بالفعل كما أنه من المتوقع أن يكون أي برنامج لشراء الأصول مثيراً للجدل.

إن السياسة المالية في وضع ضعيف كذلك وبالطبع من الأهمية بمكان تجنب تكرار الخطأ نفسه الذي تم ارتكابه سنة 2009 وهو عندما تبنى قادة الاتحاد الأوروبي إجراءات ضبط المالية العامة قبل أن تبدأ عملية الانتعاش الاقتصادي، ولكن حتى نواجه التباطؤ الدوري فإن هناك حاجة لمزيد من التحفيز،

لكن أي ركود جديد سيتسبب في جعل الأسواق المالية أكثر انقساماً بكثير وذلك على أسس وطنية مع تعزيز الترابط بين مخاطر السيادة ومخاطر المصارف. إن العديد من البلدان لديها نطاق محدود لسياسة مالية لمواجهة التقلبات، وذلك إما بسبب قواعد الاتحاد الأوروبي المتعلقة بالدين العام وإما بسبب أن تحمل السوق للدين العام أقل ضمن الاتحاد النقدي، كما اتضح منذ 2010. إن زيادة أقساط المخاطر يقوض التأثير التوسعي للعجز المالي وحتى خلال فترات الركود، إضافة إلى ذلك ونظراً لعدم وجود أي قدرة مالية مشتركة فإنه لا توجد مؤسسة أو آلية يمكنها أن تطبق التحفيز المالي على منطقة اليورو بشكل عام. إن من غير المتوقع أن تحدث الإصلاحات التي يمكنها معالجة ذلك في الأشهر القليلة المقبلة.

عادة، لو ضعفت القدرة المالية لبلد ما، فإن بإمكانها الرد عن طريق تنسيق السياسة النقدية والمالية، ولكن حتى ينجح ذلك في منطقة اليورو، يتوجب على الدول الأعضاء أن تعمل جميعاً معاً حيث يجب أن تتفق على سياسة مشتركة خلال الاجتماعات الكثيرة الرسمية وغير الرسمية لرؤساء دول ووزراء مالية منطقة اليورو.

إن هذا لن يطمئن الأسواق بشكل كامل لأنه من غير المرجح أن تتضمن تلك الاتفاقية ضماناً مشتركاً غير محدد للديون الجديدة، التي تصدرها الدول المدينة بالفعل، ولكن سوف يظهر مثل ذلك الضمان أن دول منطقة اليورو تقر بأهمية تنسيق السياسات سواء كان ذلك يتعلق بضبط أوضاع المالية العامة خلال الأوقات الجيدة أو سياسة مالية لمواجهة التقلبات خلال الأوقات الصعبة وذلك من أجل الحد من فرص حدود أزمة دين في الاقتصادات الأضعف ضمن الاتحاد النقدي.

إن الأهم من ذلك كله هو أن مثل هذا التنسيق يساعد كثيراً في إعادة بناء الثقة المتبادلة التي نفتقدها كثيراً في أوروبا، وهذا قد يعني التعامل بقوة مع التكتيك الذي تتبناه بعض البلدان مثل إيطاليا، والمتمثل في مواجهة سلطات الاتحاد الأوروبي بشكل عدواني، وبينما يتجه الناخبون في طول الاتحاد الأوروبي وعرضه لصناديق الاقتراع في مايو فإن مثل هذه الرسالة قد تغير قواعد اللعبة.

مديرة أبحاث سابقة في البنك المركزي الأوروبي وهي أستاذة اقتصاد في جامعة لندن لإدارة الأعمال.

opinion@albayan.ae

Email