إيطاليا وغياب «الخطة البديلة»

  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

تراقب الأسواق العالمية وصناع السياسات ومديرو المخاطر عن كثب المناقشات حول الميزانية العامة بين الحكومة الإيطالية والمفوضية الأوروبية. يسلط هذا الحدث الضوء على الاتجاه المتزايد بين الحكومات في كل من الاقتصادات المتقدمة والناشئة للتشكيك في السياسة الاقتصادية التقليدية.

وبينما يشتد هذا الاتجاه، يتعين على الاقتصاديين والمشاركين في الأسواق التفكير بجدية في المبادلات الضمنية لأوضاع السياسات الاقتصادية والمالية التقليدية في ظل ظروف صعبة.

بعد انتخاب الحكومة الإيطالية بهدف تعزيز النمو الأسرع والشامل، تسعى هذه الأخيرة إلى اتخاذ موقف مالي توسعي. لكن «المفوضية الأوروبية» رفضت المصادقة على ميزانيتها بسبب «عدم امتثالها» لقواعد العجز في الاتحاد الأوروبي.

ونتيجة لذلك، خفض مقياس «موديز» التصنيف الائتماني السيادي لإيطاليا بنقطة واحدة فقط فوق المستوى المرفوض، مشيرة إلى المخاوف بشأن رصيد الديون في البلاد وتوقعات النمو المتفائلة للحكومة.

مع تأكيد قادة إيطاليا على عدم وجود «خطة بديلة»، ارتفعت معدلات ديون الحكومة الإيطالية إلى مستويات لم تشهدها منذ الأيام المظلمة لأزمة اليورو. وقد أثارت زيادة تكاليف الاقتراض من القطاعين العام والخاص قلق بعض المراقبين بشأن الآثار المترتبة على النظام المالي الإيطالي.

في الواقع، يعتقد البعض أن إيطاليا تشكل تهديدًا خطيراً لمنطقة اليورو. لكن البعض الآخر يرفض هذا الادعاء الخطير، نظراً إلى أن إيطاليا لا تزال تتمتع بخاصية خدمة الديون على المدى القصير، وفائض أساسي في الميزانية، وفائض في الحساب الجاري، فضلاً عن الإمكانيات الاقتصادية الهائلة.

يشتد تحدي النمو الطويل الأمد في إيطاليا بفعل خسارة أوروبا الأخيرة للزخم الاقتصادي، والضغوط الإقليمية، والتخفيض التدريجي لعمليات ضخ السيولة من قبل البنك المركزي الأوروبي. ولمواجهة هذه العوامل، تلجأ إيطاليا إلى السياسة المالية في محاولة لتحفيز النمو من خلال قنوات العرض والطلب. بعبارة أخرى، ترغب الحكومة في إجراء عجز أكبر في الميزانية الآن من أجل تحقيق نمو أكبر.

في هذه الأثناء، تزداد المخاطر الإيطالية بسبب التحول في الأسواق العالمية. وقد تميزت السنوات العديدة الماضية بتقلبات السوق المنخفضة وزيادة المخاطر بشكل غير مسبوق بسبب ضخ السيولة المتواتر والمتكرر من قبل البنوك المركزية. تعمل الأسواق الآن على تجنب المخاطرة وارتفاع التقلبات مع تشديد السياسات النقدية وتباطؤ النمو - لاسيما في الاقتصادات المتقدمة خارج الولايات المتحدة.

على المدى القريب، سيتوقف الكثير على ما إذا كان من الممكن التوفيق بين رهان السياسة الكبير في إيطاليا والقواعد والتوجيهات الصادرة عن المفوضية الأوروبية. ولكن لا يجب أن نخطئ: ستلعب العوامل العالمية أيضا دوراً أساسياً، من خلال تحديد المدة التي ستضطر فيها إيطاليا والمفوضية الأوروبية إلى تسوية خلافاتهما.

سيكون لكيفية تطور العوامل الإقليمية والدولية آثار هامة على الضمانات المالية الإيطالية. ومن شأن انتقال السياسات بشكل منظم أن يُفسح المجال لاستراتيجية الحكومة الاقتصادية، في حين سيؤدي التحول المفاجئ إلى رياح معاكسة بسبب تشديد شروط التمويل للحكومة الإيطالية والقطاع الخاص.

إنها ليست المرة الأولى التي تقوم فيها حكومة منتخبة حديثاً بتحدي المبادئ الاقتصادية في العالم المتقدم (عادة ما ترتبط هذه الظاهرة بالاقتصادات الناشئة). عند تنصيبها في يناير 2015، أشارت حكومة سيريزا في اليونان إلى ابتعادها عن النهج التقليدي الذي اعتمده أسلافها، والعودة إلى هيئة الناخبين في استفتاء وطني. لكن في النهاية، أجبرها خطر فقدان عضوية منطقة اليورو على العودة إلى السياسة التقليدية.

ففي الولايات المتحدة، على سبيل المثال، استغلت الإدارة الأميركية والجمهوريون في الكونغرس الحوافز المالية، مما أدى إلى خفض الضرائب وزيادة الإنفاق الحكومي في وقت ينمو فيه الاقتصاد الأميركي بسرعة بسبب زيادة الاستهلاك والاستثمار التجاري.

عادة مع ارتفاع معدل الشيخوخة، تبحث الحكومة عن طرق لزيادة مرونتها السياسية كاستعداد لركود محتمل في المستقبل. والآن، اقترنت السياسات المؤيدة للدورات الاقتصادية بنهج تصادمي للتجارة. وغني عن القول إن هذا، أيضا، يتعارض مع العقيدة الاقتصادية التي تعتبر التجارة مفيدة للطرفين، والحمائية مكلفة للغاية.

وتتحدى هذه المناهج السياسية غير التقليدية بشكل أساسي الحكمة التقليدية حول كيفية تسلسل السياسات الاقتصادية. على سبيل المثال، استغنت كل من إيطاليا وتركيا عن القول بأن استقرار الاقتصاد الكلي يجب أن يأتي قبل التحفيز المالي والنقدي المعزز للنمو. أو كما يقول المثل القديم: إن استقرار الاقتصاد الكلي ليس كل شئ، لكن بدونه، لا يوجد أي شئ.

إن الجاذبية المتزايدة لمناهج السياسة غير التقليدية هي النتيجة المباشرة لسنوات من النمو البطئ وغير الشامل بالشكل الكافي، إلى جانب تزايد المخاوف بشأن الثلاثي الغير متساو «الدخل، والثروة، والفرص»، وقد أدت هذه العوامل إلى تقويض الإمكانيات الفعلية والمستقبلية للاقتصادات المتقدمة، وإبعاد مجموعات كبيرة من السكان، وإضعاف مصداقية المؤسسة ورأي الخبراء، ودعم سياسة الغضب.

بدلاً من رفض رد الفعل من ناحية، ينبغي أن يكون الخبراء أكثر انفتاحاً عندما يتصارعون مع المواقف غير التقليدية الجديدة. وعلى وجه التحديد، فإن المقايضات الضمنية في المناهج التقليدية تحتاج إلى أن يتم تقديرها بدقة وأن يتم إبلاغها بوضوح. وينبغي تحديث هذه المقاربات في عالم يبدو فيه النمو الضعيف سمة هيكلية لقطعة متنامية من الاقتصادات.

في عالم يتسم بالتطلعات الذاتية والتوازنات المتعددة، قد تسهم الجهود الحثيثة لإطلاق الاقتصاديات في تسهيل نجاح الإصلاحات الهيكلية الأكثر استدامة. في حالة إيطاليا، يتعين على الاتحاد الأوروبي أن يظل مرناً. لكن يجب على الحكومة الإيطالية أيضاً أن تثبت أنها أكثر جدية في تنفيذ التغييرات الضرورية على مستوى العرض قصد الحفاظ على نمو أسرع على المدى الطويل.

 محمد العريان - كبير المستشارين الاقتصاديين في أليانز، وشغل منصب رئيس مجلس التنمية العالمي للرئيس الأميركي باراك أوباما

 

Email