التعاون بين الشركات والمؤسسات التعليمية

  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

إن الآلات الذكية تغيّر بشكل جوهري الطريقة التي ننتج ونعمل ونتعلم ونعيش بها في جميع أنحاء العالم، حيث إن كل جانب من جوانب اقتصاداتنا سيتم تغييره جذرياً من خلال تلك الآلات.

تستخدم شركات الخدمات اللوجستية الرئيسية والسائقون من الأفراد تكنولوجيات جديدة لتحسين تخطيط مسارهم، علماً أن الشركات مثل شركة بي أم دبليو وشركة تيسلا موتورز قد أصدرت بالفعل ميزات للقيادة الذاتية في سياراتها، والتي يتم إنتاجها بمساعدة الروبوتات المتطورة، وتستخدم وكالة أسوشيتد برس الذكاء الاصطناعي للمساعدة في كتابة القصص الإخبارية.

كما يتم استخدام الطابعات ثلاثية الأبعاد لإنتاج قطع الغيار - لكل من الآلات والبشر. إن شركة إيه تي آند تي بالتعاون مع منظمة أوداسيتي تقدم دورات على الإنترنت «نانوديجريز» في تحليل البيانات، وتقوم طائرات من دون طيار بتوصيل الإمدادات الصحية إلى المناطق النائية في البلدان الفقيرة.

تبشر هذه التكنولوجيات الجديدة بإنتاجية أعلى وكفاءة أكبر، والمزيد من السلامة والمرونة والراحة، ولكنها أيضاً تثير المخاوف من آثارها على الوظائف والمهارات والأجور، ولقد زاد من تلك المخاوف الدراسة التي أجراها أخيراً كارل فراي ومايكل أوزبورن من جامعة اكسفورد، ودراسة أخرى أجراها معهد ماكينزي العالمي.

حيث وجدوا أن جزءاً كبيراً من الوظائف في كل من البلدان النامية والمتقدمة يمكن أن يتم تشغيلها آلياً من الناحية الفنية، ولكن التاريخ والنظرية الاقتصادية يشيران إلى أن القلق بشأن البطالة التكنولوجية، وهو مصطلح صاغه جون ماينارد كينز منذ ما يقرب من قرن مضى، يعتبر في غير محله.

وفي المستقبل، كما كان الحال في الماضي، من المرجح أن يؤدي التغيير التكنولوجي إلى زيادة المكاسب الإنتاجية ونمو الدخل مما يعزز الطلب على اليد العاملة.

وإضافة إلى ذلك، سوف يزداد أيضاً انخفاض الأسعار وارتفاع الجودة والطلب على السلع والخدمات، حيث إن العديد من الوظائف التي تم إنشاؤها لا يمكن حتى تصورها اليوم تماماً، كما لم يتوقع الكثير من الناس قبل قرن من الزمان أن السيارات سيتم استخدامها في المطاعم، وذلك من خلال المطاعم التي تقدم الطعام لركاب السيارات أثناء جلوسهم فيها، والفنادق الصغيرة على الطرق العامة.

لقد وجد تقرير جديد لمعهد ماكينزي العالمي أنه في ظل سيناريو معتدل لسرعة واتساع الأتمتة يمكن تسريح حوالي 15٪ من القوى العاملة العالمية أو 400 مليون عامل من الآن وحتى عام 2030، علماً أن زيادة رتم الأتمته قد تؤدي إلى تسريح عدد أكبر من العمال، والخبر السار هو أنه نتيجة للزيادات المتوقعة في الطلب على السلع والخدمات التي تتأثر بالدرجة الأولى بزيادة الدخل.

والاحتياجات المتزايدة للرعاية الصحية للسكان المسنين، والاستثمار في البنية التحتية، وكفاءة استخدام الطاقة، والطاقة المتجددة، فمن المحتمل أن يتم خلق عدد كافٍ من الوظائف الجديدة لتعويض الوظائف التي سيتم إلغاؤها، ولكن الوظائف الجديدة سوف تختلف بشكل كبير عن الوظائف التي انتهت لصالح الأتمتة مما سيفرض تكاليف مؤلمة فيما يتعلق بهذه المرحلة الانتقالية على العمال والشركات والمجتمعات المحلية.

وبناءً على سرعة ورتم الأتمتة سوف يحتاج 75-375 مليون عامل أو 3-14٪ من القوى العاملة العالمية إلى تغيير الفئات الوظيفية بحلول عام 2030، حيث إن الولايات المتحدة وغيرها من الاقتصادات المتقدمة التي من المحتمل أن تحدث فيها الأتمتة بسرعة أكبر قد يحتاج 9 -32٪ من القوى العاملة فيها إلى تغيير الفئات الوظيفية والمهارات المرتبطة بها.

وفي هذه البلدان، من المرجح أن تنخفض فرص العمل في الفئات الوظيفية الرئيسية، مثل الإنتاج والدعم المكتبي والوظائف التي تتطلب تعليماً ثانوياً أو أقل، في حين أن الوظائف في الفئات الوظيفية مثل توفير الرعاية الصحية والتعليم والبناء والإدارة، والوظائف التي تتطلب درجة جامعية أو درجة متقدمة سوف تزداد.

ووفقاً لدراسة حديثة، يشعر غالبية الأميركيين بالقلق من أن الأتمتة سوف تزيد من عدم المساواة في الدخل، ويبدو أن هناك ما يبرر قلقهم، وبما أن العديد من الوظائف ذات الأجور المتوسطة ستذهب للأتمتة، فمن المرجح أن يستمر استقطاب الدخل في الولايات المتحدة وغيرها من البلدان المتقدمة، وإذا لم يتمكن العمال الذين خسروا وظائفهم بسبب التشغيل الآلي من العثور على وظائف جديدة بسرعة، فإن البطالة المرتبطة بالانتقال من وظيفة لأخرى سوف ترتفع مما يضع ضغطاً هبوطياً على الأجور.

إذاً، ما الذي يمكن عمله لتسريع وتسهيل التحولات الوظيفية بسبب الأتمتة؟ أولاً، تعتبر السياسات المالية والنقدية التي تحافظ على مستويات التوظيف الكامل للطلب الكلي أمراً بالغ الأهمية، حيث إن السياسات لتشجيع الاستثمار في البنية التحتية والإسكان والطاقة البديلة ورعاية الشباب والمسنين يمكنها أن تعزز القدرة التنافسية الاقتصادية والنمو الشامل، في حين من المرجح أن تساعد الأتمتة في خلق الملايين من فرص العمل في المهن عوضاً عن فقدانها.

يجب أن يكون الرد الثاني بمثابة توسع جذري في برامج تدريب القوى العاملة وإعادة تصميمها، فخلال العقدين الماضيين انخفضت النفقات الحكومية من أجل التدريب على المهارات والتكيف مع سوق العمل في معظم بلدان منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، وقد تفاقم ذلك في الولايات المتحدة بسبب الانخفاض الكبير في إنفاق قطاع الأعمال على التدريب أيضاً.

يجب عكس هذه الاتجاهات، ويجب أن يصبح التعلم المستمر حقيقة، حيث إن الوظائف سوف تتغير مع استيلاء الآلات على بعض المهام وسوف تتطلب الأنشطة البشرية مهارات مختلفة.

لقد أظهر تحليل معهد ماكينزي العالمي أن القدرات المعرفية عالية المستوى - مثل التفكير المنطقي ومهارات التواصل الأقوى والمهارات الاجتماعية والعاطفية المحسنة - سوف تصبح أكثر أهمية في حين تتولى الآلات المهام الروتينية التي نراها في أماكن العمل اليوم، بما في ذلك بعض المهام المعرفية مثل جمع البيانات والتعامل معها.

وبالنسبة للعاملين في منتصف حياتهم المهنية والذين لديهم أطفال ورهون عقارية ومسؤوليات مالية أخرى، فإن التدريب الذي يقاس بالأسابيع والشهور وليس بالسنوات سوف يكون ضرورياً، وكذلك الدعم المالي للقيام بهذا التدريب، حيث إن إرسال هؤلاء الأشخاص للحصول على درجات تحتاج لسنتين على نفقتهم الخاصة ليس هو الجواب.

بدلاً من ذلك، من المرجح أن تزداد أهمية الدورات على الإنترنت «نانوديجريز» والشهادات خلال الحياة المهنية للأشخاص. إن التدريب المهني على النمط الألماني الذي يجمع بين العمل في الفصل الدراسي والعمل التطبيقي.

وتمكين المشاركين من الحصول على راتب أثناء التعلم، يمكن أن يشكل حلولاً مهمة حتى بالنسبة للعمال الذين خسروا وظائفهم في منتصف العمر. إن التعاون بين الشركات والمؤسسات التعليمية، كما هو الحال فيما يتعلق بالتعاون بين إيه تي آند تي، (والتي يعمل أحد كتاب هذا المقال في مجلس إدارتها)، وستاربكس وغيرها من الشركات، يمكن أن يوفر للعمال مهارات جديدة أو معززة، والتي هم بحاجة إليها بشكل متزايد.

* الرئيسة السابقة لمجلس الرئيس الأميركي للمستشارين الاقتصاديين وأستاذة في كلية هاس لإدارة الأعمال في جامعة كاليفورنيا في بركلي ومستشارة كبيرة في مجموعة روك كريك

** شريكة لماكينزي وشركاه وأحد رؤساء معهد ماكينزي العالمي

 

Email