خبرة أميركا بالتخفيضات الضريبية

  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

في محاولة لحشد الدعم لمشروع قانون الضرائب، سعى الرئيس الأميركي دونالد ترامب مؤخراً إلى استحضار مبادرات الرئيس الأميركي الأسبق رونالد ريغان الضريبية من ثمانينيات القرن العشرين. ولعله أصاب في ذلك، ولكن ليس كما كان يقصد على وجه الدقة. فاستدعاء ما حدث في عهد ريغان ربما يلقي بعض الضوء على مقترحات الجمهوريين القاتمة الحالية.

شهدت سنوات ريغان بالفعل اثنين من مشاريع القوانين الضريبية الضخمة ــ قانون ضريبة التعافي الاقتصادي لعام 1981 وقانون الإصلاح الضريبي لعام 1986 ــ وكان التشريعان مختلفين في كل الجوانب تقريباً. فلم يكن تشريع 1981 إصلاحاً ضريبياً حقيقياً، بل كان نوبة مسعورة ومندفعة وسيئة التنسيق من التخفيضات غير المسؤولة مالياً لكل من ضرائب الشركات والضرائب على الدخل الشخصي.

أما قانون 1986 فكان نتيجة مدروسة لعملية موسعة ومتروية وثنائية الحزبية، ومصممة لتكون محايدة في ما يتصل بالإيرادات، مع موازنة معدلات ضريبة الدخل الهامشية المنخفضة بعدد أقل من الخصومات، وخاصة على جانب الشركات.

كان إصلاح 1986 نموذجا لكيفية تنفيذ الإصلاح المالي، في حين كانت عملية 1981 نموذجا لتجنبه. ومع ذلك فإن هذه الأخيرة هي الأكثر شبهاً بالإصلاح الضريبي المقترح من قِبَل الجمهوريين حاليا، فكما كانت الحال في عام 1981، تتسم العملية الحالية بالتعجل، مع أقل قدر من التداول والتشاور - فلم تُعقَد جلسات الاستماع المعتادة - وهي لا تحمل أي مظهر من مظاهر التعاون بين الحزبين.

وكل يوم تقريبا يجلب أخباراً جديدة عن مقترح بإدخال تغيير جذري آخر على التشريع إما في مجلس النواب أو مجلس الشيوخ. والموقف متقلب إلى الحد الذي ربما يجعلنا لا نعرف حتى كل ما يتضمنه مشروع القانون ــ وأي المصالح الخاصة فازت ــ قبل إقراره بالفعل.

غني عن البيان أن المداولات المتعمقة تشكل ضرورة أساسية للتوصل إلى تشريع جيد، وليس مجرد تأمين قبوله سياسياً لدى الآخرين، بل وأيضا تجنب أخطاء الصياغة والحد من العواقب غير المقصودة.

علاوة على ذلك، تتضمن الإصلاحات المالية المسؤولة اختيارات صعبة، وتميل إلى عدم النجاح إلا إذا صيغت بروح من التضحية المشتركة: "سوف أتخلى عن منفعتي العزيزة، إذا تخليت أنت عن منفعتك"، ولكن بعيداً عن ملاحقة المداولات المتروية والتسويات الذكية، يتظاهر الجمهوريون في الولايات المتحدة اليوم بأن التخفيضات التي يسعون جاهدين إلى فرضها لن تحمل أي تكاليف.

وإذا نجحوا في فرض إرادتهم، فإن هؤلاء الذين يعلنون أنفسهم محافظين مالياً سوف يفجرون عجز الموازنة، تماما كما فعلوا في عام 1981 في عهد ريغان، وكما فعلوا مرة أخرى في عام 2001 ثم في عام 2003، بفضل التخفيضات الضريبية الهائلة التي استنت في عهد الرئيس جورج دبليو بوش.

من المؤكد أن المقترحات الحالية ليست جميعها فاسدة. فربما يكون تخفيض معدل الضريبة على دخل الشركات تحركاً جيداً، شريطة أن يجري التعويض عن الإيرادات المفقودة من خلال إزالة الثغرات في الأعمال التجارية، مثل خصم الفوائد على الشركات والمعاملة التفضيلية للفائدة المحمولة. لكن التشريع يخفض معدل الضريبة على الشركات بإفراط ولا يغلق سوى قِلة من الثغرات لتحقيق أي شيء قريب من حيادية الإيرادات.

لكن إصلاح ريغان لعام 1986 أعطى الأولوية للأسر العاملة قبل الشركات، على سبيل المثال، من خلال توسيع نطاق الخصم الضريبي على الدخل المكتسب. أما التشريع المقترح الحالي فإنه يفعل العكس.

فهو يهدف إلى تحقيق هدفه المقيد المفترض والمتمثل في الحد من خسائر الإيرادات بحيث لا تتجاوز 1.5 تريليون دولار على مدار عشر سنوات من خلال السماح بإنهاء التخفيضات الضريبية الممنوحة للأسر قبل انتهاء السنوات العشر، في حين تتمتع الشركات بالتخفيضات إلى أجل غير مسمى. وسوف ترتفع الضرائب المفروضة على الأسر التي يقل دخلها عن 75 ألف دولار، في المتوسط، مقارنة باليوم.

بطبيعة الحال، لا يعترف الجمهوريون اليوم بأن خطتهم ليست محايدة في ما يتصل بالإيرادات. فهم يزعمون، كما زعم نظراؤهم في عام 1981، ناهيك عن عهد بوش، أن التخفيضات ستعمل على تحفيز الاقتصاد إلى الحد الذي يجعل الإيرادات الضريبية الإجمالية تظل على مستواها الحالي أو ربما حتى ترتفع.

غير أن مثل هذه المزاعم رفضها كل خبراء الاقتصاد الرئيسيين تقريبا، بما في ذلك المستشارون الاقتصاديون من عهد ريغان وبوش. بيد أن كلا من هاتين الإدارتين نفذت التخفيضات على أية حال ــ وكما حَذَّر أهل الاقتصاد، سجل العجز في الموازنة ارتفاعاً حاداً.

وسوف تكون التخفيضات الضريبية التي يحاول الجمهوريون بقيادة ترامب تمريرها اليوم أشد ضرراً. وهناك سبب وجيه للخوف من عواقب طويلة الأجل أشد خطورة نتيجة لارتفاع عجز الموازنة، بسبب مسألتين رئيسيتين تتعلقان بالتوقيت ــ الأولى دورية والأخرى ديموغرافية، فقد دخلت التخفيضات الضريبية لعام 1981 حيز التنفيذ مع بداية الركود في الفترة 1981-1982، وفي ذلك التوقيت كان بعض التحفيز المالي القصير الأمد مناسباً. والعكس صحيح اليوم.

فمع انخفاض معدل البطالة إلى 4.1%، لا يحتاج الاقتصاد الأميركي إلى المزيد من التحفيز. والواقع أن بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي من المتوقع أن يرفع أسعار الفائدة مرة أخرى في ديسمبر، لمنع الاقتصاد من الدخول في حالة من فرط النشاط.

علاوة على ذلك، بلغ جيل طفرة المواليد سن التقاعد الآن بمعدل عشرة آلاف شخص يوميا، وهذا يعني أن نفقات الرعاية الطبية والضمان الاجتماعي - للتأمين الصحي ومعاشات التقاعد على التوالي - سوف تسجل زيادة سريعة. وعلى الرغم من تباطؤ نمو نصيب الفرد في تكاليف الرعاية الصحية في السنوات الأخيرة، فإن صندوق الرعاية الطبية الائتماني من المتوقع أن ينضب تماما بحلول عام 2029، وصندوق الضمان الاجتماعي الائتماني بحلول عام 2034.

من ناحية أخرى، بلغ الدين الوطني الذي يحتفظ به الجمهور الأميركي مستوى 76% من الناتج المحلي الإجمالي، مقارنة بنحو 25% فقط عندما تولى ريغان منصبه ونحو 46% عندما ترك جورج بوش الأب منصبه بعد 12 عاماً. ويعادل إجمالي الدين الوطني، بما في ذلك السندات التي يحتفظ بها بنك الاحتياطي الفيدرالي، نحو 104% من الناتج المحلي الإجمالي اليوم، مقارنة بنحو 31% فقط في عام 1980. باختصار، هذا هو التوقيت الخطأ لزيادة عجز الموازنة والمزيد من الاقتراض ــ وخاصة في انتظار المزيد من ارتفاع أسعار الفائدة.

الواقع أن الولايات المتحدة لديها خبرة كبيرة مع التخفيضات الضريبية غير المسؤولة. ومع ذلك يبدو أن قادتها لم يتعلموا الدرس. وإذا نجح الجمهوريون في تأمين النصر التشريعي الذي يسعون إلى تحقيقه، فسوف يكون نصيب الولايات المتحدة بالكامل - ربما باستثناء القِلة الأكثر ثراء - الخسارة.

جيفري فرانكل * أستاذ تكوين رأس المال والنمو في جامعة هارفارد

 

Email