إفريقيا وتعهدات مجموعة العشرين

  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

يبدو أن هذه السنة هي سنة الاختلالات العالمية فنحن لا نشهد الاضطرابات السياسية والغموض الاقتصادي فحسب، بل أيضاً الابتكار التحويلي وبروز التفكير الجديد. إن مؤسسات الحكم العالمية تواجه العديد من التحديات: تباطؤ النمو الاقتصادي والأسواق المالية المتقلبة وتهاوي أسعار البضائع وبروز المخاطر الاقتصادية «وخاصة في الصين»، وموجات اللاجئين والمهاجرين والتوترات الجيوسياسية وتصاعد انعدام المساواة والتفكك الاجتماعي، إضافة إلى تهديد التطرف العنيف ولهذا السبب ومع وجود عالم يزداد انقساماً وغموضاً فإن على قادة العالم أن يلتزموا بتعددية جديدة.

انعقدت قمة مجموعة العشرين أخيراً، ويجب على حكوماتها لالتزام بالفكرة الرئيسية للقمة «نحو اقتصاد عالمي ابتكاري ونشط ومترابط وشامل» التركيز على الاستقرار المالي والنمو المستدام في الدول المتقدمة والنامية على حد سواء وخاصة في أفريقيا. إن قمة ناجحة تتطلب من الحكومات الأعضاء إعادة التأكيد على الالتزامات في أربعة مجالات والتوسع فيها.

أولاً، يجب على دول مجموعة العشرين الإقرار بأن الطاقة والمناخ والتنمية مرتبطة بشكل وثيق والتوقف عن دعم انبعاثات الكربون. إن العديد من دول مجموعة العشرين تنفق حالياً مليارات الدولارات على دعم الجهود لاستغلال احتياطات فحم ونفط وغاز جديدة وعوضاً عن استخدام أموال دافعي الضرائب من أجل زيادة التغير المناخي فإن على الحكومات إخراج الكربون من السوق من خلال فرض الضرائب «إن هذه الحقيقة الملحة مهمة على وجه الخصوص بالنسبة لإفريقيا والتي ستدفع الثمن غالياً في حالة وقوع كوارث مرتبطة بالمناخ على الرغم من مساهمتها القليلة جداً في المشكلة».

في قمة مجموعة العشرين لسنة 2009 وافقت الدول الأعضاء على «الترشيد والتخلص التدريجي على المدى المتوسط فيما يتعلق بدعم الوقود الأحفوري الذي يشجع على الاستهلاك المسرف». يتوجب على مجموعة العشرين الآن متابعة تنفيذ ذلك الالتزام وتحديد جدول زمني واضح لإنهاء دعم الوقود الأحفوري بما في ذلك الشفافية الكاملية فيما يتعلق بذلك الإنفاق ابتداءً من سنة 2017 بالإضافة إلى منع دعم التنقيب عن النفط والإنتاج بحلول سنة 2018.

ثانياً، يجب أن تلتزم مجموعة العشرين بمحاربة التهرب الضريبي وتفكيك النظام الغامض المتعلق بالملاذات الضريبية والشركات الوهمية «التي تم تسليط الضوء عليها في وقت سابق من هذا العام من خلال أوراق بنما»، والتي يتم استخدامها في ضخ الأموال خارج أفريقيا وطبقاً للجنة العليا في الاتحاد الإفريقي للتدفقات غير القانونية والتي يترأسها الرئيس الجنوب أفريقي السابق ثابو مبيكي فإن أفريقيا تخسر أكثر من50 مليار دولار أميركي كل عام بسبب هذه التدفقات المالية غير القانونية. يتوجب على الدول الأعضاء في مجموعة العشرين تقوية متطلبات الكشف الضريبي ومنع إنشاء الشركات الوهمية وتكثيف الجهود لمحاربة غسيل الأموال وتأسيس سجلات عامة لملكية الشركات.

لقد وضعت مجموعة العشرين ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية بالفعل بعض الإجراءات لمواجهة وسائل التهرب الضريبي مثل نقل الأرباح من الدول مرتفعة الضرائب إلى ملاذات ضريبية. يجب التسريع من تلك الجهود ويجب على المجتمع الدولي دعم جهود الدول الأفريقية في تخفيض التدفقات المالية غير القانونية وخاصة من خلال الفواتير التجارية غير الصحيحة وتقوية إدارة الضرائب والجمارك. إن مجموعة العشرين تدين لإفريقيا بحلول معتبرة وفعالة من أجل التعامل مع هذه المشكلة.

ثالثاً، يتوجب على مجموعة العشرين دعم الزراعة والثروة السمكية الأفريقية. إن إنتاج الغذاء في أفريقيا يعاني من نقص شديد في التمويل وهو مستثنى كذلك من الخدمات المالية ولدرجة أن القارة تستورد غذاء كل عام تصل قيمته لمبلغ 35 مليار دولار أميركي وعلى الرغم من ذلك فإن أفريقيا تتمتع بموارد طبيعة كبيرة تكفي لإطعام نفسها والتصدير لبقية العالم لو تمكنت من تحقيق إمكاناتها.

إن ثلثي الأفارقة يعتمدون على الزراعة أو الثروة السمكية لكسب عيشهم ولكن صيد الأسماك غير القانوني وغير المصرح به وغير المنظم قبالة السواحل الأفريقية قد وصل لمستويات كبيرة مما يحرم المجتمعات الساحلية من الدخل والفرص. إن الفساد وصيد الأسماك غير القانوني لا يعترفان بالحدود الوطنية مما يعني أنه يتوجب وجود رد دولي للتعامل معهما.

كما يجب تصنيف صيد الأسماك غير القانوني وغير المصرح به وغير المنظم كجريمة دولية ووضعها تحت سلطة الإنتربول بحيث تلعب الشرطة وكالات الجمارك ووزارات العدل دوراً أكثر نشاطاً في التنفيذ ونظراً لأن صيد الأسماك غير القانوني وغير المصرح به وغير المنظم يمثل شكلاً من أشكال سرقة الموارد الوطنية تشبه التهرب الضريبي فإن مجموعة العشرين لديها الأسس للتصرف في هذا الخصوص.

بالنسبة للزراعة فإن على حكومات مجموعة العشرين متابعة الالتزامات التي تم الإعلان عنها في قمة بطرسبرج سنة 2009 من أجل زيادة التمويل للدول النامية بمقدار 21 مليار دولار أميركي علماً أن الوفاء بذلك الوعد قد طال انتظاره.

أخيراً، تتوجب المساعدة في سد الفجوة التمويلية المتعلقة بالطاقة في أفريقيا والتي تقدر بمبلغ 55 مليار دولار أميركي سنوياً حتى سنة 2030 ودعم إنتاج الطاقة المتجددة في القارة. إن زيادة إنتاج الطاقة في أفريقيا ستعزز النمو الاقتصادي للدول الإفريقية وللاقتصاد العالمي بشكل عام والأهم من ذلك أن تطوير موارد الطاقة منخفضة الكربون الآن سيسمح لها بتجنب نموذج النمو كثيف الكربون الذي تتبناه الدول الغنية وغيرها من الأسواق الناشئة وخاصة في آسيا.

لقد وضعت مجموعة العشرين بالفعل تمويل البنية التحتية الإفريقية كأولوية، حيث عملت الدول المانحة على تطوير مجموعة من آليات التمويل الخاص المتعلقة بهذا الجهد وعليها الآن استخدام تلك الأدوات.

إن قمة هانزو شكلت لحظة الحقيقة بالنسبة لحكومات مجموعة العشرين والتي قامت بعمل التزامات سابقة بشأن أفريقيا. إن متابعة تنفيذ تعهداتها سيساعد على تحريك التصنيع في القارة مع تشجيع النمو الأكبر والشامل والمستدام عالمياً وكما قال رئيس لجنة التقدم لإفريقيا كوفي آنان مراراً وتكراراً: «إن الوعود المهمة الوحيدة هي تلك الوعود التي يتم الوفاء بها».

* رئيس نيجيري سابق ويعمل حالياً كرئيس لمنتدى «تانا» وعضو في لجنة تقدم أفريقيا

 

Email