إغلاق فجوة بيانات الرعاية الصحية

ت + ت - الحجم الطبيعي

في حين يتصارع قسم كبير من العالم اليوم مع مشكلة الحمل الزائد من المعلومات، لا تزال بعض الأماكن تعاني من نُدرة المعلومات. وفي بعض الأحيان تكلف هذه النُدرة الناس حياتهم.

في قسم الولادة في أكبر منشآت الصحة العامة في زنجبار، مستشفى مانزي موجا، يجري تسجيل بيانات المرضى على سبورة بيضاء. وتتألف المعلومات على السبورة من عدد النساء اللاتي أدخلن القسم، ونوع كل حالة ومدى شدتها، وما إذا كانت من الناجين أو لم تكن.

قد تكون هذه البيانات أفضل من لا شيء، ولكنها ليست وافية. ولا توجد تواريخ أو أختام زمنية أو أنظمة طويلة الأجل لحفظ الملفات. ومع حظر تصوير السبورة فوتوغرافيا تماماً، لا تدوم السجلات لفترة أطول من بقائها على السبورة.

ولا تتفرد زنجبار بهذا السلوك في التعامل مع السجلات الصحية. بل إن زنجبار ربما تكون أكثر دِقة وحرصاً من العديد من الأماكن الأخرى في مختلف أنحاء أفريقيا وآسيا، حيث لا وجود لأنظمة جمع البيانات ببساطة.

عندما تعاني دولة ما من عجز كهذا في البيانات، فإن القرار بشأن سياسات الصحة العامة وميزانياتها واستراتيجياتها يُتَّخَذ بما يتماشى مع النفعية السياسية أو التخمين. وقد تصيب التخمينات أحياناً، ولكنها تخيب في أغلب الأحيان.

يشكل هذا تحدياً كبيراً لأنظمة الرعاية الصحية في العالَم النامي. إن جمع معلومات دقيقة عن جميع المرضى (مع احترام الخصوصية في الوقت نفسه) أمر بالغ الأهمية لتتبع تهديدات الصحة العامة، وتردي الرعاية، والأخطاء الطبية، كما يشكل شرطاً ضرورياً وأساسياً لعقد مناقشات صريحة وصادقة حول قضايا الرعاية الصحية التي قد تؤثر على مجتمعات أو بلدان بأسرها.

وفقاً لتحليل المجلة الطبية البريطانية، الذي أجراه مارتن مكاري ومايكل دانييل من كلية الطب في جامعة جونز هوبكنز في الولايات المتحدة، تُعَد الأخطاء الطبية وحدها ثالث سبب رئيسي للوفاة بعد أمراض القلب والسرطان. وفي سياق التحليل، قد تشمل الأخطاء الطبية رداءة الأطباء، وضَعف مستوى الاجتهادات والتقديرات السريرية، وسوء التواصل بين هيئة العاملين أو الأقسام، والتشخيص الخاطئ.

ولا يوجد من الأسباب ما قد يحملنا على الاعتقاد بأن هذه المشكلة تقتصر على الولايات المتحدة. ذلك أن أحوال الرعاية الصحية في العالَم النامي تواجه غالباً تحديات أشد وعورة، مثل الافتقار إلى القدرة الفنية بين القائمين على إدارة المستشفيات، ونقص العاملين، ورداءة التدريب، والأدوية ذات الجودة المتدنية، وإفلات حالات التقصير الطبي نسبياً من العقاب.

ومن المؤسف أن نقص البيانات إلى هذا الحد يجعلنا عاجزين عن تحديد مدى مساهمة أي من هذه العوامل في النتائج الصحية الهزيلة والوفيات التي يمكن تجنبها في البلدان النامية.

بعيداً عن إمكانية إنقاذ عدد لا يُحصى من الأرواح، من الممكن أن تساهم البيانات الجديرة بالثقة في خفض التكاليف، مالياً ونفسياً. إن الأعباء المالية المرتبطة بالرعاية الصحية في الدول المنخفضة والمتوسطة الدخل هائلة، على الرغم من التقدم الذي تحقق في مكافحة فيروس نقص المناعة البشرية والملاريا والسُل.

وبعيداً عن هذه الأمراض التي يمكن علاجها وتتبعها، بفضل وفرة من الوعي جزئياً، تظل أمراض عدة مجهولة الهوية وتستمر في إثقال كاهل الخدمات الصحية العامة.

إن فهم الأسباب الشائعة للوفاة هو السبيل الوحيد لتحسين الرعاية الصحية في المجتمعات التي تعاني من ارتفاع الأعباء المرتبطة بالأمراض، والتراتب الهرمي الأبوي، والتجمعات السكانية الكبيرة والمتفرقة في المناطق الريفية والتي تعتمد على الطب التقليدي. ففي هذه البيئة تصبح التفاعلات مع الأطباء نادرة، ومن الأهمية بمكان لهذا السبب أن تُجمَع البيانات عنهم في كل مناسبة.

تختلف احتياجات الرعاية الصحية باختلاف المجتمعات، والتوصل إلى فهم تام لِكُنه هذه الاحتياجات ليس بالمهمة السهلة. ولكن يمكننا أن نبدأ هذه العملية بثلاث خطوات.

تتلخص الأولى في خلق الوعي داخل المجتمعات. فكل الناس يريدون حياة صحية ومنتجة لأنفسهم وذويهم، وسيرحبون لهذا السبب بأي أفكار أو رؤى جديدة حول أسباب موت أو مرض الناس في مجتمعاتهم. ومع ظهور صحافة المواطن ووسائل الإعلام الاجتماعي، حتى في الدول الفقيرة، أصبحت حملات التوعية الجماهيرية الآن أكثر يُسراً من أي وقت مضى.

أما الخطوة الثانية فتتمثل في ابتكار سبل أفضل لجمع البيانات. تفتقر العديد من البلدان النامية إلى ما يلزم من الأموال والبنية الأساسية والتدريب لاستخدام أدوات جمع البيانات المتطورة؛ ولكن هذا لا يعني أنها عاجزة عن إدخال تحسينات كبيرة على عملية جمع البيانات.

فكما أظهر أتول جواندي من كلية الصحة العامة في جامعة هارفارد، قد تكون قوائم التحقق البسيطة فعّالة في جمع البيانات واتخاذ قرارات أفضل. فإذا كان العاملون وصناع السياسات في مجال الرعاية الصحية يعلمون أي البيانات قد تكون مفيدة ولماذا، فإن هذا في حد ذاته يجعلهم في وضع الأفضل لتغيير نتائج الصحة العامة.

وتتلخص الخطوة الأخيرة في إنشاء رقابة شفافة للبيانات التي يجري جمعها. فقد تشير بعض البيانات إلى نتائج غير مريحة سياسياً أو معاكسة للتوقعات البديهية، وقد يستسلم الساسة لإغراء التعتيم على هذه البيانات وتجاهلها. وفي عصر وسائل الإعلام الاجتماعية والصحف المفتوحة، ينبغي لنا أن نطالب بجعل البيانات المجمعة حديثاً متاحة لنطاق واسع من الباحثين في قضايا الصحة العامة والعاملين في مرافق الرعاية الصحية.

في نهاية المطاف، قد لا نكون قادرين على منع الوفيات الناجمة عن أمراض بعينها. ولكن بالاستعانة بالمزيد من المعلومات، يصبح بوسعنا أن نمنع الوفيات الناجمة عن تقاعسنا أو انعدام كفاءتنا.

* أستاذ هندسة الطب الحيوي في جامعة بوسطن.

 

Email