لماذا يعجب بوتين بترامب

ت + ت - الحجم الطبيعي

من الممكن أنه عندما ينظر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين للنجوم في الليل، ويتخيل عالم أحلامه، فإنه يبتسم عندما يفكر بإمكانية أن يصبح دونالد ترامب رئيساً للولايات المتحدة الأميركية، وربما يكون بوتين معجباً بفكرة أن يكون هناك قائد أميركي يركز على القانون والنظام في الوطن عوضاً عن بناء الديمقراطية في الخارج، وربما يكون بوتين معجباً بأسلوب ترامب المتبجح الذي يذكره بأسلوبه.

لكن عندما يستفيق بوتين من أحلام اليقظة، فإنه سيدرك أنه لا يمكن أن يخدم فوز ترامب في نوفمبر مصالح روسيا، وعليه فإن من المستحيل أن تكون هناك خطة جادة في الكرملين - سواء باعتماد على الفضاء الإلكتروني أو غيره من الوسائل الأخرى، من أجل المساعدة على تحقيق هذا الفوز.

بالطبع، من غير الصعب تصور أن قراصنة الإنترنت «الهاكرز» قد وجدوا بالفعل طريقة لاختراق خوادم اللجنة الديمقراطية الوطنية أو الخوادم المستخدمة من قبل حملة هيلاري كلينتون كجزء من جهود التجسس التي تستهدف جميع أنواع المؤسسات الحكومية والتجارية والسياسية، وفي القرن الحادي والعشرين فإن أجهزة مخابرات الكرملين كانت ستتهم بالإهمال المهني لو لم تكن تحاول بجد واجتهاد القيام بتلك الهجمات.

للقادة الروس تاريخ طويل كذلك من التحريض والدعاية أو «أجيتبروب»، حيث كان يطلق من سبقهم من القادة السوفيات هذا الاسم على الحملات العلنية والسرية للتأثير في الرأي العام في البلدان الأجنبية، ولكن هذه الجهود لها سجل متباين من النجاحات وبوتين يتفهم بشكل كبير أن التدخل الروسي قد يؤدي بسهولة لنتائج عكسية، وهكذا ما يزال من غير الواضح معرفة مدى تأثير روسيا نفسها أو ويكيليكس فيما يتعلق بتوقيت ومحتوى التسريبات الأخيرة والتي ظهرت على موقع ويكيليكس.

من المؤكد تماماً أن أي تقييم واضح للكرملين يجب أن يخلص لنتيجة مفادها أن فوز ترامب ليس في مصلحة روسيا، فربما من الممكن الاستمتاع بمشاهدة توتر وتشنج السياسيين الأميركيين والابتهاج بينما يشعر حلفاء أميركا باليأس، ولكن الرئيس ترامب سيجعل حياة بوتين أكثر صعوبة بكثير.

إن مصلحة روسيا الوطنية المركزية هي في الأساس اقتصادية، بينما تترنح على وقع الضربات المشتركة لتدهور أسعار النفط والنمو الأوروبي الضعيف والعقوبات الغربية المالية، وفي واقع الأمر فإن المصالح الروسية تتضمن الهيمنة السياسية على جاراتها، وهذا ما دفع بالتدخل الأخرق في شبه جزيرة القرم، والذي يتعاطف معه ترامب اليوم، وهذه المصالح تتضمن كذلك الاحتفاظ بارتباط روسيا التاريخي في الشرق الأوسط وإزعاج الولايات المتحدة الأميركية كلما كان ذلك ممكناً، وفي هذا السياق فإن الجهود الحالية لدعم الحكومة السورية هي عبارة عن ضرب عصفورين بحجر واحد.

لكن رفع مستويات المعيشة أمر حيوي للاحتفاظ بقبضة بوتين على السلطة وإرثه على المدى الطويل، وحتى قبل التدخل في أوكرانيا فشل بوتين في الوفاء بوعده الكبير الذي قدمه في سنة 2003 من أجل مضاعفة حجم الاقتصاد الروسي خلال عقد، وبالنسبة للناتج المحلي الإجمالي الاسمي للفرد، فإن روسيا ما تزال أفضل بقليل من المكسيك، والجهود لتنويع وتحديث الاقتصاد فشلت نظراً لأن التقنيات التي تغير من وضع الأسواق واستراتيجيات قطاع الأعمال لا يمكن أن تدار من قمة الهرم.

بينما سوق النفط هو المحدد الأكبر لآفاق روسيا الاقتصادية على المدى القصير، كونه يشكل نصف إيرادات التصدير، إلا أن النمو طويل المدى يتطلب أن تقوم روسيا بالدخول مجدداً لأسواق رأس المال العالمية، واجتذاب الاستثمارات الأجنبية (ووقف هروب رؤوس الأموال)، وأن تعيد دمج نفسها في الاقتصاد العالمي. إن كل هذا يتطلب اقتصاداً عالمياً مستقراً يمكن التنبؤ به، ورئاسة ترامب قد تعني العكس.

إن خطة ترامب المالية التي تتضمن تخفيضات ضريبية كبيرة من دون تخفيض معقول في الإنفاق، يمكن أن تتسبب في رفع معدلات الفائدة الأميركية، ما سيشعل الفوضى في الأسواق المالية، كما أن اقتراحاته العفوية بإمكانية إعادة التفاوض على الدين الأميركي يمكن أن تؤدي لخسائر دراماتيكية في قيمة الاحتياطات الروسية من النقد الأجنبي، والتي كانت مرتكزاً لروسيا في خضم العاصفة الاقتصادية التي ضربت البلاد منذ سنة 2014، حيث يبدو من المرجح أن تهديدات ترامب بشن حرب تجارية ضد المنافسة الأجنبية «غير العادلة» قد تشمل كذلك صادرات روسيا من الفولاذ، كما أن عدم القدرة على التنبؤ بتصرفات ترامب في ما يتعلق بالقضايا الأمنية والجيوسياسية الرئيسية يمكن أن يزيد من المخاطر الخارجية.

بالطبع هناك سيناريو أن الانجذاب الشخصي بين القادة يؤدي لتخفيف مبكر في العقوبات الغربية، ولكن عقوبات الاتحاد الأوروبي المتعلقة بالتمويل والتجارة من غير المرجح أن تستمر لفترة أطول على أي حال، وخاصة أن الآراء المتشددة للمملكة المتحدة لم يعد لها تأثير في تلك المناقشات، وربما ستستمر العقوبات الأميركية ظاهرياً للفترة الحالية، ولكن من الصعب استمرار الجهود الحثيثة لإدارة أوباما لمنع البنوك العالمية من تمويل روسيا من خلال فروعها الأوروبية إلى أجل غير مسمى.

الرئيسة كلينتون لن تجعل الأجندة الدولية لروسيا أسهل، ولكن على الأقل ستكون شروط التعامل معروفة، وعلى الرغم من الإغراء بإحراج قادة أميركا بالمزيد من الأعمال البطولية على الفضاء الإلكتروني، ولكن بوتين لن يوافق على أي شي قد يؤدي حتى ولو بشكل بسيط لتعزيز فرص فوز ترامب.

* زميل تنفيذي في مركز موسافار راهماني لإدارة الأعمال والإدارة العامة في كلية كيندي للإدارة العامة التابعة لجامعة هارفارد.

Email