الجديد في أسعار الفائدة المنخفضة

ت + ت - الحجم الطبيعي

لا يكاد يمر يوم بدون مقالات تظهر في صحف المال تمعن النظر سعياً للإجابة على سؤال: لماذا ظل سعر الفائدة منخفضاً إلى هذا الحد على مدار هذه الفترة الطويلة؟ وهذه واحدة من تلك المقالات. ولنبدأ بتوضيح سعر فائدة من، وأي سعر فائدة هو المنخفض، وما هو الجديد، أو غير المسبوق، وما هو عكس ذلك.

يتأثر سعر الفائدة في البلدان الناشئة والنامية بشدة بما يجري في الاقتصاديات الأكبر بالعالم، وتمتد جذور الدورة الحالية لانخفاض سعر الفائدة المستمرة منذ عدة سنوات إلى الولايات المتحدة وأوروبا واليابان، حتى أن انخفاض سعر الفائدة أصبح في الغالب «المعتاد الجديد» في الاقتصاديات المتطورة.

منذ ثمانينيات القرن العشرين كان سعر الفائدة (آجال الاستحقاقات القصيرة والطويلة) يتجه صوب الانخفاض في معظم الاقتصاديات المتطورة (بدرجات متفاوتة)، بينما انخفض معدل التضخم بشكل حاد. وفي السنوات السابقة على الأزمة المالية التي اندلعت في الفترة 2008-2009، أكد بن برنانكي رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي مراراً وتكراراً على أن «تخمة الادخار» العالمي (وبشكل خاص في الصين) هي السبب في انخفاض أسعار الفائدة.

وفي الآونة الأخيرة أشار لورانس سامرز وزير الخزانة الأميركي السابق إلى أن «الركود المزمن»، الذي يتجلى في انخفاض الاستثمار والنمو المستدام في العديد من الاقتصاديات المتطورة، كان قوة رئيسية وقفت خلف انخفاض سعر الفائدة. وهذه الفرضيات (التي لا تستبعد بعضها بعضاً) مفيدة بشكل خاص لفهم سبب كل من: انجراف السعر نحو الانخفاض قبل الأزمة واستمرار هذا الميل للانخفاض.

كانت الأزمة المالية قد تمخضت عن مصدر جديد للضغط على أسعار الفائدة نحو الانخفاض، حين تحولت السياسة النقدية تحولاً شديداً إلى سياسة تيسيرية. وحمل بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي لواء القيادة بين البنوك المركزية، فتصدى بسرعة وعنف للاضطرابات العالمية، بالاعتماد على سعر فائدة يقترب من الصفر وشراء كميات ضخمة من الأصول (أو ما يسمى التيسير الكمي). وفي مرحلة ما بعد الأزمة فعل كل من بنك اليابان والبنك المركزي الأوروبي ــ وكلاهما في ظل قيادة جديدة ــ نفس الشيء. وما أسعار الفائدة الاسمية السالبة إلا مرحلة أحدث من هذه السياسات.

وكُنت أؤكد، منذ عام 2010، على الدور المحوري للسياسة في استمرار انخفاض السعر في المرحلة التالية للأزمة والتي اتسمت بتضخم كبير للدين العام والخاص في الاقتصادات المتقدمة والميل صوب الانكماش. ويمكن لهذا المزيج اضعاف الميزانيات المالية والأسرية والحكومية.

بعبارة أخرى، كانت أسعار الفائدة منخفضة، وظلت منخفضة، لأن صناع السياسات ذهبوا إلى أبعد مدى لإبقائها عند هذا المستوى. وجَمَعَ مزيج السياسة بين طريقة «مهما كلف الأمر» للإبقاء على أسعار فائدة منخفضة وجرعات مكثفة من القيود التنظيمية المالية.

وإذا كانت البنوك المركزية قد تصرفت بمصداقية لرفع أسعار الفائدة بشكل كبير (لأي سبب كان) فإنها ما كانت لتفتقر إلى الأدوات أو القدرة على القيام بذلك. وفي ظل هذا السيناريو البعيد الاحتمال، كانت توقعات السوق لتتكيف وفقاً لذلك وكانت أسعار الفائدة لترتبع (على الرغم من تخمة الادخار والركود المزمن).

يساعد سلوك أسعار الفائدة الحقيقية (المعدلة تبعاً للتضخم) على فهم الدور الذي لعبه التحول في السياسة النقدية بعد الأزمة، وكما يُظهِر الشكل أدناه، والذي يوضح حصة الاقتصادات المتقدمة حيث أسعار الفائدة الطويلة الأجل سالبة (حيث عائدات سندات الخزانة لمدة عشر سنوات أقل من معدل التضخم) في الأعوام من 1900 إلى 2016. في الفترة السابقة على الأزمة لم تُسَجَل عوائد حقيقية سالبة على السندات الحكومية، بينما منذ حلول الأزمة ازدادت الشواهد على وجود عوائد سالبة، وظلت في ارتفاع. وبطبيعة الحال، كانت حصة البلدان ذات سندات الخزانة السالبة قصيرة الأجل أعلى منذ عام 2009.

بيد أن الأرقام تشير أيضاً إلى أن الفترة ما بين 2010 و2016 ليست أول حدث في تاريخ ظاهرة واسعة الانتشار هي العوائد الحقيقية السالبة على السندات. فالفترات التي أحاطت بالحربين العالميتين الأولى والثانية يتم إغفالها عادة في الدراسات التي تركز على تحرير أسواق الرأسمال منذ ثمانينيات القرن العشرين. وكما كان يحدث في الماضي، تلجأ البنوك المركزية على نحو متزايد أثناء وبعد الأزمات المالية والحروب إلى شكل من أشكال «الضرائب» التي تساعد على تسييل الديون العامة والخاصة الضخمة المتراكمة وتخفيف عبء خدمة هذه الديون.

وعادة ما تعني هذه السياسات، المعروفة باسم القمع المالي، وجود علاقة قوية بين الحكومة والبنك المركزي والقطاع المالي، الأمر الذي يُترجم بلغة اليوم إلى معدلات فائدة حقيقية سالبة ثابتة ــ والتي تعادل ضريبة مبهمة المعالم تفرض على حاملي السندات وعلى المُدخرين بوجه عام.

في عصر يتسم بالنظر إلى شطب الدين العام (تحميل الدائن جزءاً من الخسارة) على نطاق واسع باعتباره أمراً غير مقبول (يشهد على ذلك موقف الاتحاد الأوروبي من اليونان) وغالباً ما تمتنع فيه الحكومات عن شطب الديون الخاصة (يشهد على ذلك امتناع إيطاليا عن تحميل حاملي الديون المصرفية الثانوية جزءاً من الخسارة)، تشكل العائدات اللاحقة السلبية المستدامة مساراً تراكمياً لتخفيض الديون. وفي غياب طفرة تضخم مفاجئة، فسوف تكون هذه العملية طويلة في الأرجح.

* أستاذ النظام المالي الدولي بكلية كينيدي للإدارة الحكومية بجامعة هارفارد

Email