حياتنا

تناقض

ت + ت - الحجم الطبيعي

راهناً هذه ليست المرة الأولى، التي تنزلق فيها العولمة إلى مأزق، فقد لاقت النسخة الأولى من العولمةـ ارتفاع التجارة العالمية وتدفقات رأس المال الدولية في أواخر القرن التاسع عشر، وأوائل القرن العشرين ـ حتفها بين الحرب العالمية الأولى وأزمة الكساد العظيم.

وقد انخفضت التجارة العالمية بنحو 60% في الفترة من 1929 إلى 1932، مع انغلاق الاقتصادات الكبرى على نفسها، واعتناقها سياسات تقوم على فرض تدابير الحماية، مثل قانون تعريفات سموت-هاولي السيئ السمعة لعام 1930 في أميركا، ولكن المخاطر قد تكون أعظم إذا كان للعولمة الأكثر قوة اليوم أن تلقى مصيراً مماثلاً، فعلى النقيض من النسخة الأولى من العولمة، التي اقتصرت إلى حد كبير على تبادل السلع المادية «المصنعة» عبر الحدود، كان نطاق النسخة الثانية من العولمة أعرض كثيراً، بما في ذلك التجارة المتنامية في العديد من الأصول غير الملموسة، التي كانت ذات يوم تعتبر خدمات غير قابلة للتداول.

على نحو مماثل، كانت موارد النسخة الثانية من العولمة أكثر تعقيداً وتطوراً من سابقتها، فكان التواصل في إطار النسخة الأولى من العولمة يجري عن طريق السفن، ثم السكك الحديدية والسيارات. واليوم أصبحت وسائل النقل هذه أكثر تقدماً، وأضيف إليها شبكة الإنترنت، وما ترتب عليها من تعزيز سلاسل العرض العالمية. كما عملت الإنترنت على تمكين الانتشار الفوري عبر الحدود للخدمات القائمة على المعرفة مثل برمجة وهندسة وتصميم البرمجيات، والفحص الطبي، والأعمال المحاسبية والقانونية والاستشارية.

ويتمثل التناقض الأشد تبايناً بين الموجتين من العولمة في سرعة استيعاب التكنولوجيا وتعطيلها للنظم القائمة. كانت سرعة تبني تكنولوجيا المعلومات الجديدة غير عادية، فقد استغرق الأمر خمس سنوات فقط لكي يصبح عدد الأسر الأميركية، التي تتصفح الإنترنت 50 مليون أسرة، في حين استغرق حصول عدد مماثل من الأسر على أجهزة الراديو 38 عاماً.

* عضو هيئة التدريس في جامعة ييل، والرئيس السابق لبنك مورجان ستانلي في آسيا.

Email