التفاوت والهجرة

ت + ت - الحجم الطبيعي

تكشف أزمة الهجرة في أوروبا عن خلل جوهري، إن لم يكن النفاق الشديد، في المناقشة الجارية بشأن التفاوت الاقتصادي. الواقع أن العديد من قادة الفِكر في الاقتصادات المتقدمة ينادون بالتحلي بعقلية الاستحقاق.

لا ينبغي للمرء أن ينسى أنه حتى بعد فترة من الركود، تظل الطبقة المتوسطة في البلدان الغنية في مرتبة الطبقة العليا من منظور عالمي. فنحو 15% فقط من سكان العالم يعيشون في اقتصادات متقدمة. ومع هذا فإن البلدان المتقدمة تظل تمثل أكثر من 40% من الاستهلاك العالمي واستنزاف الموارد. صحيح أن الضرائب الأعلى المفروضة على الأثرياء تصبح منطقية كوسيلة لتخفيف التفاوت داخل أي دولة. ولكن هذا لن يحل مشكلة الفقر المدقع في العالم النامي. وفقاً للعديد من المقاييس، تضاءلت فجوة التفاوت العالمية بشكل كبير على مدى العقود الثلاثة الماضية، فالسماح بتدفق البشر بقدر أكبر من الحرية عبر الحدود من شأنه أن يعمل على التعجيل بتكافؤ الفرص بشكل أسرع مقارنة بالتجارة، ولكن المقاومة شرسة.

بطبيعة الحال، لن يجد الملايين من اليائسين الذين يعيشون في مناطق الحروب والدول الفاشلة اختياراً غير السعي إلى طلب اللجوء في البلدان الغنية، مهما كانت المخاطر. وسوف تتزايد ضغوط الهجرة بشكل ملحوظ إذا صَدَقَت التنبؤات الأساسية لعلماء المناخ بشأن الانحباس الحراري العالمي. فمع تحول المناطق الاستوائية إلى مناطق أكثر حرارة وجفافاً على النحو الذي لا يسمح بدعم النشاط الزراعي، سوف يؤدي ارتفاع درجات الحرارة في الشمال إلى جعل الزراعة أكثر إنتاجية. خاصة وأن البلدان الفقيرة والأسواق الناشئة أقرب إلى خط الاستواء وتقع في مناطق مناخية أكثر عُرضة للخطر.

مع تحول العالم إلى مكان أكثر ثراء، فمن المحتم أن تلوح فجوة التفاوت في الأفق دوماً باعتبارها قضية أشد خطورة من قضية الفقر، وهي النقطة التي تحدثت عنها أول مرة قبل أكثر من عشر سنوات.

 

* كبير خبراء الاقتصاد الأسبق لدى صندوق النقد الدولي، وأستاذ الاقتصاد والسياسة العامة في جامعة هارفارد.

Email