الباحثون الدهاة

ت + ت - الحجم الطبيعي

نحن نعيش في عالم معقد، لذا فإننا مضطرون إلى تبسيطه. فنحن نصنف الناس من حولنا باعتبارهم من الأصدقاء أو الأعداء، ونصنف دوافعهم بوصفها طيبة أو شريرة، وننسب الأحداث ذات الجذور المعقدة إلى أسباب واضحة. ومثل هذه الطرق المختصرة تساعدنا في الإبحار عبر تعقيدات وجودنا الاجتماعي. وهي تساعدنا في تشكل التوقعات حول العواقب المترتبة على تصرفاتنا وتصرفات الآخرين، وبالتالي تيسر عملية صنع القرار.

إن علم الاجتماع الجيد يعمل على تحويل حدسنا غير المجرب إلى خريطة من الأسهم السببية. وفي بعض الأحيان يبين لنا كيف يؤدي هذا الحدس إلى نتائج مثيرة للدهشة وغير متوقعة عندما يتم تمديدها إلى نتائجها المنطقية.

الواقع أن نماذج علوم الاجتماع المفيدة تقوم على تبسيطات في كل الأحوال.ويميل الباحثون في مجال العلوم الاجتماعية إلى الثقة المفرطة في النموذج المفضل لديهم اليوم. كما يميلون إلى المبالغة في دعم النموذج والاستخفاف بالأدلة الجديدة التي تتعارض معه، وهي الظاهرة المعروفة باسم «انحراف البرهان».

ومن المؤسف أن خبراء الاقتصاد وغيرهم من علماء الاجتماع لا يحصلون فعلياً على أي تدريب على كيفية الاختيار بين نماذج بديلة. ولا ينال مثل هذا الاستعداد المكافأة مهنياً. ويُنظَر إلى النظريات والاختبارات التجريبية النامية الجديدة باعتبارها علماً، في حين تشكل ممارسة الحكم السليم حرفة.

وقد اشتهر الفيلسوف أشعيا برلين بالتمييز بين اثنين من أنماط التفكير رمز إليهما بالقنفذ والثعلب. فالقنفذ يعيش أسيراً لفكرة كبيرة منفردة يطبقها من دون كلل. أما الثعلب فهو على النقيض من ذلك يفتقر إلى رؤية كبرى ويتبنى العديد من وجهات النظر المختلفة حول العالم، والتي قد يكون بعضها حتى متناقضاً.

إن الباحثين القادرين على الإبحار من إطار تفسيري بعينه إلى آخر وفقاً لما تفرضه الظروف أكثر قدرة على توجيهنا في الاتجاه الصحيح. والعالم الآن بحاجة إلى القليل من القنافذ والمزيد من الثعالب.

* أستاذ العلوم الاجتماعية في معهد الدراسات المتقدمة في برينستون بنيوجيرسي

Email