هرب من الموت إلى التنس

ضاقت به الدنيا فهرب إلى نيويورك، ليرفه عن نفسه، ترك الملفات في واشنطن، فقد تعب عقله وتداخلت موجات أعصابه، وتجمد تفكيره، وهو بحاجة إلى مساحة من الهدوء، وأضواء ساطعة تسلط عليه، وقرر أن يشاهد المباراة النهائية في بطولة أمريكا المفتوحة للتنس، فأحدث إرباكاً للمنظمين، وللأجهزة الأمنية في العاصمة الاقتصادية، وأخر المباراة قرابة ساعة كاملة، والآلاف ينتظرون في المدرجات، والملايين يترقبون خلف شاشات التلفزيون في العالم!

وبدأ الحدث، بلقطة وحيدة لرئيس الولايات المتحدة الأمريكية، ولم تتكرر، ولم ينشغل أحد به، المخرج لديه حدث أهم يركز عليه، والمعلق منشغل في الحديث عن مجريات المباراة، واللاعب الإسباني ألكراز يتطلع إلى العودة من جديد إلى المركز الأول عالمياً والفوز بالملايين الخمسة، والإيطالي سينر كان مصراً على تأكيد صدارته وتربعه على عرش اللعبة بعد أن ناله عن جدارة طوال 56 أسبوعاً، وبعد ثلاث ساعات تقريباً انتهت المباراة، وانصرف الجميع، وكأن الرئيس غير موجود، فهو لم ينزل إلى منصة التتويج ليكرم الفائز بالبطولة أو الخاسر، وهو صاحب المركز الثاني، ولم يذكره الاثنان في كلمتيهما أمام الجمهور، شكروا الجميع حتى أطفال التقاط «الكور» في الملعب! أضاع ترامب يوماً كاملاً، وإن كان يوم الأحد، فالعالم منشغل بالهجوم الجديد على غزة، وخطة «كاتس» الحاقد على كل شيء، والكاره للحياة في ذلك القطاع المطحون تحت جحافل من أصبحت شريعة الغاب منهجها، والإنسانية آخر همومها، وأصبحت «الأبراج» والمباني التي لم تهدم بعد هي أهدافها.

والرئيس كان قبل مغادرته البيت الأبيض يقرأ آخر التطورات في «كييف» التي غطت أعمدة الدخان سماءها، بعد أن دكت مقرات حكومتها، بعد تهديداته مع الأوروبيين بإرسال الجيوش والأسلحة إلى أوكرانيا، ومصادرة أموال روسيا المجمدة في بنوكها، وفرض مزيد من العقوبات عليها.

لقد تحدث ترامب قبل أيام عن خسارة إسرائيل لسمعتها نتيجة أفعالها في غزة، ولم ينتبه إلى نفسه، فهو أيضاً يخسر الكثير نتيجة مواقفه، وخاصة من حلفاء الولايات المتحدة وأصدقائها، ولو نظر حوله جيداً فسيعرف مدى خسارته، ولن يهرب من واقعه إلى مباراة تنس.