سوريا والضباع الطامعة

لا يريدون لسوريا أن تستقر، ولا يريدونها دولة واحدة تجمع أطيافها ليعودوا كما كانوا، متعايشين متحابين ومتسامحين، دون التفات إلى طائفة أو مذهب أو عرق، فهي القلب، قلب الشام، وما أدراكم ما الشام، إن هي نهضت ونفضت الغبار العالق بها أعادت الأمور إلى نصابها، وتراجع كل الذين «كشروا» عن أنيابهم، الضباع الجائعة والطامعة، كل منها يبحث عن قطعة من هذا الجسد الذي أنهكته سنوات الفتنة.

الأعداء والأضداد اتفقوا، سراً وعلانية، واقتسموا أرضاً لا تقبل القسمة، ووزعوا على بعضهم البعض وطناً له أهله، فهم الأغراب، هم من جاءوا من الأطراف، وبدأوا مرحلة توزيع الغنيمة عليهم، وذكرونا بما فعلوا أيام «نور الدين الزنكي» الذي منع دمشق عنهم، هم أنفسهم، من كانوا في السابق غزاة يعودون من جديد، تاريخ يلحق بتاريخ، والوجوه فقط تتغير، أما النوايا والأهداف والأطماع والأحلام فهي واحدة، وقد تتغير الأسماء، ولكن الأفعال متشابهة.

هم مجتمعون على كلمة واحدة، وها نحن نسمع في كل يوم من يمهدون لهم الطريق، يريدونها مقسمة، طائفة في الشمال، ومذهب في الغرب، وعرق في الشرق، وكل منهم تظلله قوة أجنبية، يريدون دويلات تمسح هوية سوريا، وتزرع بذور الكراهية والعداوة، وهم، الأغراب في الجهات الأربع، ينهبون الثروات، ويتخلصون من القوة التي طردتهم في السابق، هم متوهمون، يعتقدون بأن التفتيت وقطع الأوصال سينهي دور الشام ويمنحهم امتداداً.

المشهد لا يسر، فهذه سوريا التي نراها ذاهبة إلى مستقبل مظلم، تتحكم فيها قوى الشر، وتتقاسمها طوائف خاضعة خانعة تحركها تلك القوى كما تشاء، ومع ذلك ننظر إلى الضوء الذي لا ينقطع، ضوء الأمل بأن هذه الأمة حبلى بالرجال، والشام كانت ولا تزال صانعة للرجال.