وعرفوا أنها مجاعة

لطمة جمّدت عروقاً جفت من ماء الحياء، وأحدثت «طنيناً» لن يفارق آذان من زاغت قلوبهم وماتت ضمائرهم.

من سكتوا دهراً ونطقوا بالأمس، وقالوا الحقيقة، كلمة بعد كلمة، وحرفاً بعد حرف، ونقطة بعد نقطة، وسجل التاريخ «أنه في القرن الحادي والعشرين، في زمن الذكاء الاصطناعي وسبر الفضاء، وتزين الرجال بأزياء النساء، واختلاط الأجناس، والطائرات المسيرة، والسيارات التي تقود نفسها بنفسها، في هذا الزمان كان هناك شعب محروم من الأكل، وتحاصره دبابات الميركافا و«ابرامز» وتصطاده قاذفات اسمها الشبح، في بقعة نخرتها سوسة حاقدة كارهة تريد أن تعود إلى الوراء ثلاثة آلاف سنة، لتزيل عن كاهلها عاراً مازال يلاحقها، فإذا بها تلبس ما هو أشد ذلة من مخلفات الماضي».

نعم، في غزة مجاعة، هكذا قالت الأمم المتحدة، وهي تقرأ الوثائق، وتشاهد الصور، وتحصي الأرقام، وتحصد من يموتون يومياً من الأطفال في الخيام وبيوت الصفيح، والشباب الذين يقتنصهم أصحاب الخوذات والبنادق وهم يحملون ما يستر جوعهم في مراكز إغاثة أمريكية مفخخة!

العالم تردد وتجاهل، ولاذ إلى الصمت 22 شهراً، كان خائفاً، فمن يقتل الأطفال الأبرياء لا يمنعه شيء عن إلحاق الضرر بأصحاب المناصب الدولية والوطنية، في منظمات تأسست لوقف العدوان البشري المغلف بالهمجية ضد البشرية، وفي حكومات كانت ولاتزال تنادي بالحقوق المدنية للإنسان، دون تمييز، ودون عنصرية النفس المتكبرة بحكم اللون أو الجنس أو العرق أو الديانة، وفاض الكيل، واستفاق الجميع، فالذي يحدث في غزة أكبر من الخوف والتردد والتجاهل، وخيانة الأمانة التي أوكلت إليهم، فهؤلاء الذين «لطموا» نتنياهو والذئاب المنفلتة التي تحيط به كانوا في مناصبهم منذ البداية، بداية المذبحة، وحتى عادت ضمائرهم إلى الحياة.

نعم، في غزة مذبحة، وفي غزة حرب إبادة، وفي غزة حرمان من الأكل، وفي غزة منع وصول الدواء، وفي غزة عار يتحمله كل من يحسب نفسه من البشر، ومن ينكر ذلك لا يتكلم بلغة إنسانية، لغة يتحدث بها البشر، هم من عالم آخر تسيطر عليه الكراهية، وقد أصبحوا قلة قليلة تكابر وهي تدافع عن الباطل.