ترامب ونزاهة الوسيط

سنؤجل الحديث عن ذلك المحلق دون أجنحة في فضاء الأحلام والأوهام و«خزعبلات» المحافل المتخصصة في إثارة الفتن ونشر النزاعات وسلب حقوق الآخرين.

اليوم ليس يوم نتنياهو، بل هو يوم دونالد ترامب، الرجل الذي قفز قفزة سجل فيها هدفاً، وأصبح في منتصف الطريق لتحقيق حلمه الخاص، فالكبار الأقوياء هذه الأيام يعيشون على الأحلام، هذا يريد جائزة نوبل للسلام، وذاك يريد «إسرائيل الكبرى»، هذا يفصل على مقاسه، وذاك يلبس ثوباً ليس بثوبه، وكل حلم له طريق، وله أسس تتطلب الحذر والالتزام، وعدم المغامرة والسباحة ضد التيار.

نهنئ الرئيس الأمريكي ترامب على نجاحه -حتى الآن- في مسعاه نحو إنهاء الحرب الأوكرانية الروسية، ونبارك له، فهو يستحق التهنئة والمباركة، وهذا أقل ما يمكن أن نقدمه له؛ لأننا لا نملك غير الكلام والإشادة بمن يصيب، ومحاولة إعادة توجيه من يخطئ، وتحذير من غرّر به «شيطان بشري» ما زال هارباً من مصيره المحتوم لما اقترفت يداه.

كسر ترامب الخطوط الحمراء التي وضعها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ومعه رئيس أوكرانيا زيلنيسكي، وما كان ذلك سيحدث لو استمر ترامب في أسلوب التعالي والتهديد والسخرية وفرض الأوامر في مؤتمراته الصحفية العجيبة خلال الأشهر الستة الأولى لرئاسته الجديدة، فالذي رأيناه يوم اجتماع «ألاسكا» مع بوتين، ويوم أمس مع زيلينسكي وقادة أوروبا، كان شخصاً مختلفاً، لا رابط بينه وبين النسخة الأولى لشخصيته، هذا رجل «صبور» يسمع الآخر ولا يقاطعه، جاد في نقاشاته، يحل العقد واحدة تلو الأخرى، ويشارك جميع الأطراف في تفاصيل ما ينجزه، ويقترب من هدفه دون ضجة أو تفاخر، بعيداً عن الاستقواء بمكانته ومكانة بلاده، تاركاً مسافة متساوية بينه وبين رئيسَي الدولتين المتنازعتين، هو ليس مع هذا أو مع ذاك!

كان وسيطاً محايداً، رغم أن أحد الأطراف يعتبر خصماً لبلاده منذ قرن كامل، ويُنظر إليه منافساً في بعض الأحيان، وعدواً في أحيان أخرى، فإذا بالرئيس ترامب يغير أسلوبه حتى يجنب بلاده والغرب تبعات حرب استنزاف مرهقة.

وهنا سنقف لنتحدث لاحقاً عن شرقنا الأوسط ودور ترامب مع أحلام نتنياهو!