كل يوم يمر تكون إسرائيل هي الخاسرة، فهذه الحرب لم تعد نتائجها تحسب بناءً على عدد القتلى الذين يتساقطون بأحدث إنتاج غربي للدبابات والصواريخ والمسيرات الهجومية وطائرات «أف 35»، واستمرار العدوان على قطاع غزة لا يضيف اليوم غير أرقام في الأعداد وجوع ونقص دواء وانتشار الأمراض وهدم المباني التي لا تزال واقفة، والمحصلة صفر وعودة إلى الوراء!
عملية يوم أمس على معبر الحدود الأردني الإسرائيلي نفذها شخص منفرد، سائق شاحنة، وأغلق ذلك المعبر من الجانبين إلى أجل غير مسمى، وهناك على الطرف الغربي تعطلت المعابر مع مصر، رفضاً للاحتلال العسكري الإسرائيلي، وإصراره على تولي إدارة المعبر الحيوي في رفح، والسيطرة على محور فيلادلفيا المواجه للحدود المصرية الفلسطينية، وهو ما يعتبره نتانياهو انتصاراً، وخطوات مهمة في إنجاح الأهداف التي رسمتها حكومة اليمين العنصري المتطرف، بينما العكس هو الصحيح، فإسرائيل اليوم كأنها عادت إلى ما قبل التسعينيات.
هذا هو الواقع، والقادم أشد وأخطر إذا لم يلجم ذلك المتهور المغرور، اتفاقية أوسلو وما تبعها مع منظمة التحرير أصبحت بالية وكأنها لم تكن، مجرد حبر على ورق، وقد تعود الأمور إلى سابق عهدها، ويفقد الجميع الأمل في سلام مع فكر استعماري يحكم تصرفات النخبة الإسرائيلية، والعودة تكاد تصل إلى اتفاقات «كامب ديفيد» مع مصر، أي إلى سنة 1979، بل وصلتها بالفعل مع تجاوزات نتانياهو عند الحدود المصرية، وما تبقى من اتفاقات يتم تجاوزها، والنتيجة الواضحة اليوم أن حكومة اليمين أعادت إسرائيل إلى مربع الانكماش من جديد، ونشر الرعب بين الإسرائيليين، خوفاً وعدم اطمئنان، ورجوعاً إلى ما كان يطلق عليه الأمريكان والغرب «الدولة المنبوذة»، والفرق أن هذه الدولة هي التي وضعت نفسها في هذا المأزق بعد تجاوزها لكل الأعراف الإنسانية في غزة طوال أحد عشر شهراً، وهي التي خالفت مواثيقها وتعهداتها مع جيرانها!