ألمانيا وعقدة الذنب

ت + ت - الحجم الطبيعي

شمرت ألمانيا عن سواعدها، وذهبت إلى «لاهاي»، هناك حيث محكمة العدل الدولية، وحيث ينظر في الدعوى التي رفعتها جنوب أفريقيا ضد إسرائيل، والتي تطلب فيها وقف «الإبادة الجماعية» في غزة، وإدانتها لمخالفتها للقوانين الدولية، وتطلب قراراً مستعجلاً بإصدار أمر فوري لوقف إطلاق النار، وقد تابعنا حجج الشاكي ورد المشكو في حقه، وكانت المرافعات .

حديث الناس في العالم كله، فالحق بيّن والظلم بيّن، ولكن المستشار الألماني له رأي آخر، أعلنه بعد أن تأكد بأن الكفة تميل نحو الأبرياء الذين يدفعون حياتهم وأمنهم واستقرارهم دون ذنب ارتكبوه، فذهب إلى هناك بصفته طرفاً ثالثاً ليواجه الدعوى دفاعاً عن حكومة نتنياهو المتطرفة!

ألمانيا ليست طرفاً، ولن تكون، فهي منحازة للطرف الأول، مرتكب «الإبادة الجماعية» للثأر من حفنة خارجة على القانون البشري والأخلاقي، فإذا به يكون كما عهدناه يجرف في طريقه الطفل والمرأة والعاجز دون احترام للحياة.

ألمانيا تريد أن تضعف القضية، وتشتت الانتباه، مدعية بلسان مكتب المستشار، وهو رئيس الحكومة، بأن عمليات القتل والتشريد والهدم، والتي سجلت أرقاماً صادمة للكل، ليست إبادة وليست جريمة حرب، وللأسف الشديد تغنى ذلك البيان بتاريخ ألمانيا في الدفاع عن الحقوق ورفضها لأي شكل من أشكال التمييز والعنصرية، واستشهد بالتاريخ، وليته لم يفعل، فالتاريخ غير قابل للتحريف، ولا يمكن أن يؤخذ من أصحاب «الكلام المرسل»، التاريخ وثائق ووقائع، وقد تكفل رئيس جمهورية «ناميبيا» الأفريقية بالرد على المستشار، وذكره بما فعله جيش الاحتلال الألماني القيصري في بداية القرن العشرين ببلاده، فقد سجلت «الإبادة الجماعية» في ناميبيا وباعتراف ألماني رسمي بعد مرور قرن كامل.

تحركت ألمانيا نتيجة «عقدة الذنب» التي ما زالت تلطخ سمعتها، ذنب اليهود الأبرياء الذين تعرضوا للإبادة الجماعية قبل حوالي 80 سنة على أرضها وفي الدول التي احتلتها، إبادة الأفران أو ما يسمى «الهولوكوست»، فهل يعقل أن تعمي العقدة أصحابها عن الحقيقة؟!

Email