بخلاف عاداته وطبعه الذي تطبع به، يظهر دونالد ترامب في بعض الأحيان، وأشدد على «بعض الأحيان»، أنه سياسي محنك، يعرف متى يتكلم، ومتى يعلن موقفه من مسألة ما، بتعقل وحكمة، مستغلاً الظرف المناسب في الوقت المناسب، ليتخذ القرار المناسب!
قدم ترامب أوراق ترشحه لخوض الانتخابات الرئاسية القادمة، منافساً للرئيس الحالي جو بايدن، في لحظة انخفضت فيها شعبيته بنسبة كبيرة، وأقصد هنا بايدن، وارتفعت ضده الاحتجاجات نتيجة تردده في اتخاذ القرارات المناسبة، وتقلبه اليومي في مواقفه وأقواله، وإصراره في الاندفاع دون تفكير خلف الموقف المتشدد للأحزاب الإسرائيلية اليمينية وقادتها في حرب غزة، وتحوله إلى تابع منحاز بدلاً من كونه «كبير العالم» الذي يفترض فيه أن يطفئ النيران المشتعلة، وللأسف، حدث العكس.
غزة تعيش مأساة إنسانية، بعيداً عن «حماس»، وثورة الانتقام مما ارتكبته، فالأبرياء هم الذين يعاقبون اليوم، هم الذين تدمّر بيوتهم ويجوعون ويشردون، وهم الذين يحرمون من الدواء والماء، وقد كان العالم ينتظر الكبير الحكيم أن يضع خطوطاً حمراء أمام موجة الكراهية الجديدة التي برزت بعد أن اعتقد الجميع بأنها أصبحت من الماضي.
استطلاعات الرأي عكست موقف الشعب الأمريكي من بايدن ومواقفه، بعد أن شاهد ذلك الشعب حجم نتائج الاندفاع منه ومن وزيري خارجيته ودفاعه، وأعلنت الغالبية عدم اتفاقها مع المواقف التي اتخذتها إدارة بايدن، وفوقها هفواته المتكررة، هفوات الرئيس، وآخرها «رواية قصف المستشفى»، فالعالم كله كان في كفّة ورئيس الدولة العظمى في كفّة أخرى!
إنها فرصة مواتية لدونالد ترامب، وصلته على طبق من ذهب، فالرئيس المنافس يحرق أوراقه، وهو يمكن أن يكسب أوراقاً جديدة، هكذا قرأ الواقع، وقال له المنطق، فتقدم رسمياً بالترشح للرئاسة، حيث ارتفعت حظوظه بفوز ساحق، وحتى نوفمبر 24 ستزداد سقطات بايدن، وستكون خسارته الحاسمة ذلك الهجوم البري الذي يستعدون له ضد غزة.