تحاول سنغافورة أن تحد من ازدحام الشوارع منذ عقود، وطبقت قوانين ربما لم يسبقها إليها أحد، وتدرجت في رفع الرسوم لاستخراج رخص القيادة وامتلاك السيارات، وفي المقابل عملت بجهد على إنشاء شبكات نقل أصبحت ميزة من ميزات تلك البلاد.

قبل أيام أصبحت تكاليف استخراج رخصة قيادة السيارات، أو ما تسمى بشهادة الاستحقاق، ما يوازي 76 ألف دولار أمريكي، لمن يريد أن يمتلك سيارة عادية، بل عادية جداً، أما من يحب الرفاهية وقيادة السيارات الفارهة فالباب مفتوح أمامه مقابل أكثر من 100 ألف دولار أمريكي بقليل، وهذه آخر الخطوات التي بدأت منذ عام 1990، عندما حددت «كوتا» لرخص القيادة وامتلاك السيارات، أي عدد محدد سنوياً، وهذا يعني أن طالب الترخيص مثله مثل طالب الأرض أو القرض السكني، عليه الانتظار، وهو وحظه، فقد تكون «الطوابير» مزدحمة فينتظر سنة أو خمس سنوات، ولا ضرر من الانتظار، فالحافلات موجودة، والمترو موجود، والترام أيضاً موجود، ولا يتعطل أحد عن مواعيد العمل أو الدراسة، الكل يقضون حوائجهم، لأن الذين أصدروا قرارات الإلزام للناس في سنغافورة، وحدوا من «ثقافة امتلاك السيارات» لم يتركوا الحلول الجماعية التي تغطي المدن والشوارع، وتربطها ببعض مع المدن والضواحي الأخرى.

وقد يقول قائل إن في ذلك تمييزاً أو إنقاصاً لحرية الاختيار التي يجب أن تصان، وهذا غير صحيح، فالإجراءات السابقة والجديدة لا تحرم أحداً من حقه في امتلاك السيارة والحصول على ترخيص قيادة، الكل متاح له ذلك الحق ما دام قادراً على تحمل التكاليف التي تبدأ بما ذكرناه بداية، وتنتهي عند دفع رسوم المواقف وعبور المناطق المكتظة!

وقد يقول قائل لماذا ذهبت إلى سنغافورة، فأمرها لا يعنينا، وأقول لكم، وله بكل تأكيد، لأنني أعجبت بالفكرة، رغم إحساسي بالمبالغة في الرسوم المفروضة، وتذكرت أنه في يوم من الأيام كانت لدينا لوائح تنظيمية تحد من حصول أصحاب المهن البسيطة والذين لا يتطلب عملهم سيارات على رخص قيادة، وكانت حافلات الشركات وجهات العمل تتحمل مسؤولية نقل عمالها، وكانت حافلات «النقل العام» متوفرة، وكانت شوارعنا مريحة.