الانحراف عن الطبيعة البشرية ليس وليد اليوم، هو طبع من الطباع التي تشكل النفس والعقل والعاطفة، وكم من أمة زالت من الوجود نتيجة خروجها عن تلك الطبيعة، وكم من نبي أو رسول واجه قومه وأقواماً أخرى حينما أراد إصلاح الاعوجاج، وكم من قائد أو زعيم غرته قوته فغيّر وبدّل واستحدث مسارات جديدة فرض على الناس الالتزام بها، فذهب ذلك القائد مع عصره واتباعه إلى هامش التاريخ، مثله مثل الأمم التي جاءتهم الصرخة وزلزلت الأرض من تحت أقدامهم، بخلاف الأقوام الذين عادوا إلى رشدهم، وسلكوا طريق الهداية والحق.

فإذا عدنا إلى حاضرنا، وتمعّنا جيداً في ما يدور حولنا، وسمعنا أحاديث من يعتبرون قادة في دول متقدمة، ورأينا الاندفاع الممنهج للمنحرفين الشاذين عن القواعد السلوكية للبشر، إذا حدث كل ذلك، لا بد من أن نسترجع ما حدث من قبل ونسقطه على ما يحدث اليوم، وقد قلت لكم في هذا المكان، ولعدة مرات، إننا لا نخاف على أنفسنا، ولا نخشى أن يصيب مجتمعاتنا ما أصاب المجتمعات الغربية، فنحن محصنون، والحديث هنا عن الغالبية العظمى، أما القلة التي لا تكاد تذكر، فهي محصورة في زاوية لا تستطيع الخروج منها، والقلة مصيرها الزوال إذا خالفت مقومات بناء المجتمعات وركائز استمرار الحياة فيها.

سمعت مفكراً غربياً يتحدث عن رغبته في مغادرة بلاده، وحينما سئل «لماذا؟»، قال حسب ما أتذكر أن السبب بسيط، وهو أننا كنا وبحسب القوانين السائدة قبل مئة عام نرجم الشواذ ونلقي بهم في البحر، وبعدها بسنوات اكتفينا بالإعدام عقوبة لهم، ثم غيرنا القوانين فأصبحت العقوبة السجن المؤبد والغرامة التي تبلغ الآلاف، ثم خففنا فترة السجن وقللنا الغرامة حتى وصلنا قبل عقدين أو ثلاثة إلى تعهد يؤخذ على من يمارسون هذا الفعل الشائن، وبعدها سمحنا لهم بالانتشار بيننا والسماح لهم بالزواج الرسمي، حتى فرضنا عقوبة على من ينتقدهم، وسأغادر بلادي قبل أن أشهد يوماً يعاقب فيه الواحد منا لأنه لم يصبح شاذاً!

.. ويطول الحديث.