نحن نتعلّم منهم، وهذا ليس عيباً، فهم من يقودون الحضارة في العصر الحديث، منذ ثورتهم الصناعية، وحتى موجاتهم الاستعمارية، ومع الانعطاف نحو الحروب وتمزيق بعضهم البعض، إلى أن اختتموها بالحرب العالمية الثانية وتقديم أكثر من 60 مليون إنسان قرابين للنهضة وما تبعها من استقطاب وبروز المحاور والأحلاف.
تجاربهم غنية في تلك المجتمعات المتقدمة، والتي تعتبر نفسها «العالم رقم 1»، والذين استنزفوا ثرواتهم وأصرّوا على بقاء التخلّف والفقر في بلادهم اعتبروهم عالماً ثالثاً، قد يستحق أن يقال لسكانه إنهم بشر، وقد لا يستحق ضمن خطط استمرار زرع الخلافات وشقّ صفوف شعب كل بلد وإشعال النيران تحقيقاً لمصالحهم.
ولم يركن العالم الثالث إلى الواقع الذي أراده الغرب أن يستمر إلى الأبد، دول اجتهدت وطوّرت حياة شعوبها، ودول أخرى استغلّت خيراتها وحاولت أن تلحق بركب التحضّر، نزعت غشاوة التخلّف وانطلقت حتى أثبتت وجودها، وتحوّلت إلى رقم صعب في معادلاتهم التي عفا عليها الزمن، ورغم امتلاكهم لوسائل التدمير والتعطيل والابتزاز، انتصر عليهم الوعي الذي اكتسبه «المتخلّفون سابقاً» من تجاربهم مع «المتقدّمون جداً»!
الأرض تدور، والدنيا تتغيّر، فاللّيل بظلامه له وقت وينقشع، والنهار يشع نوراً، ولا شيء يبقى ثابتاً، هناك جاذبية، وهناك تطلّع إلى أبعد مسافة ممكنة، وهناك طموح جُبل عليه الإنسان، فلا الفقير محكوم عليه بأن يستسلم لفقره، ولا الغني ضامناً استمرار الرخاء الذي يعيش فيه هو ومن حوله، وكذلك السارق، فقد تسقطه هفوة، وقد تدمّره نزوة، وقد تكشفه لحظة غرور، ومُشعل النيران في الأراضي البعيدة ليمنع الضرر عن أرضه، سيأتي يوم ويطاله اللهب.
نحن نتعلّم منهم، من إيجابياتهم، ومن سلبياتهم، من المفيد عندهم ومن المدمّر، والعاقل من يأخذ منهم ما يقوّيه ويدفعه إلى الأمام، ولا يتبعهم في كل شيء، فليس كل ما يقولونه صحيحاً، وليس كل ما ينتجونه مفيداً، هم يفكّرون، ونحن نفكّر، وفي المقابل هم يدبّرون، ونحن علينا أن نتصدّى، حماية لكل القيم البشرية التي ما زلنا نحافظ عليها، منهم، ومن الذين سبقوهم أو اللاحقين لهم. حفظنا الله من كل الذين يضمرون لنا الشر في عالمنا الثالث، في نظرهم، والأول في نظرنا.