أيديهم فارغة

ت + ت - الحجم الطبيعي

المال نعمة، وقد يكون نقمة إذا وصل إلى من لا يقدره.

تشاهد من تجري الأموال بين يديه كما تجري الأنهار، وتسمع كل أخباره في الإعلام بألوانه وأشكاله، يتصيدونه في كل مكان يذهب إليه، ويتتبعون تحركاته، ماذا يأكل؟ وماذا يلبس؟ وما نوع السيارة التي يركب؟ وحجم بيته وما يحويه من وسائل الرفاهية؟ وكيف يعيش أفراد عائلته؟ وتحسب أمواله التي جمعها، ويصنف في قوائم «فوربس»، وتزف بشرى الزيادة التي تحققت في العام الأخير، وربما في الربع الأول من هذا العام، وتسأل عن أعمال ذلك الشخص الذي ارتفع رصيده 40 ملياراً، والآخر الذي أراد أن يتسلى فاشترى منصة تواصل بشيء بسيط من ثروته، فقط 44 مليار دولار، وبدأ يتلاعب بمئات الملايين من المشتركين في منصته، أقول لكم، لا تجدهم إذا سألت عن أعمالهم، ليس في الاختراعات الكمالية الجالبة للأموال، بل في المجال الإنساني، هناك عند مخيمات اللاجئين، وفي الأراضي العطشى حيث تعز على الأطفال قطرة ماء، وفي مواقع الإغاثة عند وقوع الكوارث الطبيعية.

عشرات من أصحاب الأسماء اللامعة، من كدسوا المليارات فوق المليارات مروا على البشرية مرور الكرام، وما عاد أحد يتذكر أسماءهم، وكل ما قيل عنهم مجرد «غثاء كغثاء السيل» تذروه الرياح، فيتطاير ويتبخر، ومن بعدهم يتبخر من ورثوهم، أبناء وبنات وأخوة، يصابون بما يشبه «اللوثة العقلية»، وينجرفون نحو الهاوية، والأمثلة كثيرة، وكلها تتحدث عن نهايات غير سعيدة، بل محزنة، لأنهم استخدموا المال ليكون عوناً لهم في تدمير أنفسهم، وأمامنا قصص من حققوا ثروات بعد جوع وحرمان، فانزلقوا، مثل مئات المشاهير، وفي شتى المجالات!

نهايات مأساوية، ويد فارغة من عمل الخير، لهذا ينسى هؤلاء الذين «يلمعون»، في كل محفل بقدر «لمعان» الأموال التي كدسوها، أن الذاكرة البشرية تحفظ أسماء الذين تركوا خلفهم شواهد تشهد لهم، وتتحدث عن عطائهم، وليس عن حبهم لذاتهم!

Email