ليست هناك «حرب نظيفة» وليس هناك سلاح ينتقي ضحاياه، بل كل الحروب «قذرة»، فيها موت ودمار وتشريد وتخلف، وكل قذيفة تطلق في الصراعات الداخلية تعيد البلاد إلى الوراء سنة كاملة، وما يحدث في السودان تتحدث عنه النتائج، وليس الوعود!
المتحضرون في الحروب يتحولون إلى وحوش ضارية، أولئك الذين اكتشفوا القذائف الصاروخية الموجهة، والطائرات المسيرة، لم يخلفوا وراءهم غير الموت، وعلينا أن ننشط ذاكرتنا، من أفغانستان إلى الصومال، ونستعيد ما حدث في العراق، حيث ترددت مقولة «اقتل ثم فكر»، وراح ضحيتها أطفال ونساء وعجزة قتلوا داخل بيوتهم، فقط لأن المقتحم يخشى أن يكون داخل البيت رجل مسلح!
الكلمات المصاغة بعناية جميلة جداً، تخرج منها عبارات «منمقة»، ولكنها خاوية، لا قيمة لها، ولا معنى لها، وقد أتعب من كتبها نفسه، وحتى لو استعانوا بالذكاء الاصطناعي، ولو أدخلت في خلايا أشباه الموصلات المغروزة في «دماغه» معلومات «الأرشيف» الرسمي للسكان، وسجلت الأسماء، ومعها بصمة الأصابع، وفوقها بصمة العين، لن تتعرف القذائف على المدني، ولن تفرزه، بل لن تنحرف عنه لأنه محمي بناء على التعهدات المعلنة من الطرفين.
السلاح أعمى وجاهل، قذيفته مهما حملت من المسميات تطلق بشكل عشوائي، وتصيب بشكل عشوائي، سرعة الهواء تغير مسارها، والخوف يحرفها عن هدفها، والخرطوم ليست ميدان رماية، بل هي مدينة عريقة متجذرة في الأرض مئات السنين، ومن يسكنون فيها إخوة، الجنود والضباط والقيادات العسكرية، وكان يفترض أن تتمخض «اجتماعات جدة» عن اتفاق على إنهاء النزاع العبثي الذي يدور في عاصمة بلادهم، فالدمار تتسع رقعته، والدماء تسيل في شوارعها، والجوارح تحوم حولها، وللأسف، خرجوا بتعهد لا يساوي شيئاً!