الحرب النظيفة

ت + ت - الحجم الطبيعي

لأول مرة في التاريخ الذي نعرفه يحدث هذا الأمر، يجتمع طرفا النزاع العسكري الذي استخدمت فيه كافة أنواع الأسلحة الفتاكة، ويتفاوضان تحت رعاية وسطاء بذلوا جهداً كبيراً لإنهاء ذلك النزاع، ويصدر بيان من قبل الجانبين في نفس الوقت، وكل ما فيه أنهما يتعهدان بعدم الإضرار بالمدنيين والإبقاء على حياتهم!

استرجعت ما يحدث في السودان، ورأيت صور الاقتتال في المناطق السكنية التي يقطنها المدنيون في الخرطوم العاصمة، المباني تحترق، والطائرات تقصف، والمدفعية تضرب، وكل طرف يريد أن يستولي على أكبر قدر من الأراضي والمنشآت الرسمية والاستراتيجية، وجنود كل طرف يحتفلون حول جثث القتلى من الطرف الآخر، والنازحون يغادرون بيوتهم ومدينتهم التي كانت تأويهم سيراً على الأقدام، ولا يعرفون في أي أرض سيبيتون ليلتهم.

وتذكرت كل الحروب التي وقعت منذ أن وعيت على الدنيا، حرب 67 التي أسميناها بالنكسة، وما خلفته وراءها من تهجير طال أربع دول، ودمار حوَّل مدناً تعج بالحياة إلى مرتع للحيوانات السائبة، وعشرات الآلاف من الضحايا المدنيين والعسكريين، وحرب 73، وهي حرب العبور، وضحاياها، وحرب فيتنام، وحروب اجتياح لبنان،، والتي اكتملت بغزو شامل حتى وصلت الدبابات إلى بيروت، وما خلفته من دمار لمنارة الشرق، وحرب الجارين التي استمرت 8 سنوات، واستبيحت خلالها مدن العراق وإيران، فهي حرب وليست نزهة، لا تفرق بين عسكر ومدنيين، وراح ضحيتها مليون وأكثر من كل طرف، وحروب الأعراق في صربيا وكرواتيا والبوسنة وكوسوفو، والمذابح التي سجلت أو دفنت مع أصحابها في المقابر الجماعية، وحرب بين الهند وباكستان، وأخرى بين بريطانيا والأرجنتين حول جزر «فوكلاند» بخلاف المناوشات الحدودية التي تطال سكان تلك المناطق قبل جنودها، وحروب الميليشيات المسلحة والتنظيمات الإرهابية في بعض البلاد العربية بعد أحداث 2011، وحروب إفريقيا الأهلية وأمريكا اللاتينية.

تذكرت كل ذلك، ولم نسمع في يوم من الأيام أن الجيوش تنفذ حروباً نظيفة كما جاء في البيان الصادر عن طرفي الصراع في السودان الشقيق!

Email