تكرار خطيئة «نوبل»

ت + ت - الحجم الطبيعي

لا أعرف من الذكاء الاصطناعي غير اسمه، ومع ذلك استخلصت في الأيام السابقة ما يقال عنه، ليس من أمثالي، بل من العارفين ببواطن الأمور وخفاياها، العلماء القادرين على النفاذ إلى أحشاء هذا «الوحش المنتظر».

هذه هي الصفة التي يصفونه بها، وهم من عملوا على اختراعه، وكانت نواياهم حسنة، كانوا يريدون الخير للبشرية، شيئاً ينقلهم إلى مرحلة متقدمة في مجال التقنيات، شيئاً يخدم المجالات التي توقف عندها الإنسان، وليس «شيئاً يستغل من قبل الأشرار للقيام بأنشطة خبيثة».

كما قال الدكتور جيفري هينتون الملقّب بالأب الروحي للذكاء الاصطناعي، في تحذيره بعد تخليه عن وظيفته في «جوجل»، لرفضه كل تبعات ما يمكن أن يحدث في المستقبل القريب، بأن تتجاوز الروبوتات مستوى المعلومات الذي يستطيع الدماغ البشري استيعابه، وأن تمنح نفسها مزيداً من القوة!

هذا الذي يحدث اليوم مع الروبوتات القابلة للتوحّش والإضرار بالبشر، شبيه بما حدث في منتصف القرن التاسع عشر، عندما اخترع الفريد نوبل المتفجرات وأنتج «الديناميت» معتقداً أنه وسيلة لخدمة الإنسانية في مجالات التنقيب وحفر المناجم وشق الطرق، ومع الثراء طوّر «نوبل» فكره وغيّر مجرى اختراعه، واتجه نحو صنع الأسلحة في 90 مصنعاً، وشهد كيف تفتك تلك الأسلحة التي قدمها للبشرية بالبشرية.

وفي حياته، وليس بعد موته، كان «شرّ» المتفجرات والديناميت والأسلحة التي اخترعها «نوبل» قد تفوّق على خيرها، وحتى يكفّر عن ذنبه، ويبعد لقب «تاجر الموت» الذي ألصقته به هتافات الناس والصحف، وضع كل ثروته في مشروع «جائزة نوبل» التي ننتظر نتائجها كل عام، بينما دوي الانفجارات يصمّ الآذان حول العالم، بفعل صاروخ متفجر أو قذيفة دبابة، أو قنبلة تسقطها طائرة، أو حزمة «ديناميت» تحملها سيارة مفخخة، أو طائرة مسيّرة ملغّمة بالمتفجرات.

جيفري هينتون لم يطلب الثروة، ولا يحتاج إلى جائزة تحمل اسمه، لهذا حذّر وأنذر، ورفع يده عن العبث بالبشرية.

 
Email