مازالوا يعيشون في الماضي

ت + ت - الحجم الطبيعي

من حسنات بطولة العالم في كرة القدم أننا خرجنا بانطباعات ربما تكون غائبة عنا، فذلك التجمع ضم مئات الجنسيات، وعشرات الثقافات، ولم تكن الكرة التي «يركض» خلفها اللاعبون إلا الجزء البسيط من المشهد كله.

من وجهة نظري أن قضية التسامح والتعايش ما زالت بعيدة عن أوروبا الغربية، وأن منطقتنا التي تصر شبكة «نتفليكس» على تسميتها ببلاد الجمال، هي الأكثر حرصاً على مد جسور الأخوة الإنسانية من دون أن تلتفت إلى لون أو لغة أو جنس أو دين ومعتقد، شوارع مدننا الكبرى خليجياً وعربياً تتحدث عن ذلك، وأسواقنا تترجم واقعنا، فنحن متسامحون، ونحن متعايشون مع أهل الشرق والغرب من دون تمييز، ولا وجود لأي تصرف أو إجراء عنصري في منظومتنا بكل قطاعاتها، نحترم ضيفنا، ونعتبره واحداً منا، ولا نتدخل في شؤونه الخاصة، ولا نشق صدره لنعرف حقيقة مشاعره تجاهنا، الكل هنا مرحب به، ما دام ملتزماً بقيم بلادنا، ومحافظاً على مشاعرنا، ولا يخالف قوانيننا.

أما عندهم فحدث ولا حرج، فهم في الغرب ما زالوا يعيشون على إرث الماضي المخجل، الذي سجلته بلادهم، يوم كانوا أسياد العالم، ومارسوا كل صنوف العنصرية والاستعباد ضد الشعوب، التي أخضعت بالقوة، ويبدو أن ذلك الإرث يثقل فكرهم إلى درجة عدم مقدرتهم على نسيانه أو الخروج من تحت ظله، وقد تفننوا خلال وبعد كأس العالم، خاصة في إعلامهم، وحولوا بعض الأحداث عن مسارها الصحيح، فقط ليرضوا داء التعالي المتمكن منهم، لهذا بدلاً من أن يشيدوا بنجاح تنظيم قطر للبطولة، وبدرجة امتياز، جعلوا من «بشت ميسي» قضية، ولم يعودوا إلى «رمزية» ذلك الرداء، الذي منحه أمير قطر لأحسن لاعب في العالم، وقائد الفريق الحائز البطولة، ولو عرفوا المعنى والقصد، لوصلوا إلى قناعة تامة بأنهم جهلة يجب أن يتعلموا من جديد!

وعندهم أيضاً تلك التفرقة، التي ارتسمت بتفاصيلها على إعلام فرنسا وهو يتعامل مع هداف العالم «مبابي» وزملائه من ذوي الأصول الأفريقية في المنتخب الفرنسي، لأنهم خسروا المباراة النهائية، حيث كانت العنصرية التاريخية حاضرة في خطابها.

أوروبا تعيش في الماضي وتتجاهل الحاضر!

Email