ديمقراطية المظاهر

ت + ت - الحجم الطبيعي

إذا كانت الديمقراطية تعني مئات المرشحين يتنافسون على عشرات المقاعد، وحملات انتخابية، وخطابات نارية، ووعوداً «هوائية»، وطوابير عند أبواب مقار التصويت، وطاولات وستائر تحجب المصوتين، وصناديق توضع أمام شاشات التلفزيون، وفرزاً وعدّاً وإعلاناً على الهواء مباشرة، إذا كانت كذلك، فالعالم كله ديمقراطي، من أمريكا الشمالية إلى أستراليا وجزر سليمان، مروراً بكوبا وهاييتي وكل تلك الدول التي سميت سابقاً بجمهوريات الموز، وفي أفريقيا التي قاربت انقلاباتها منذ الاستقلال في الستينيات وحتى الأسبوع الفائت حوالي 300 انقلاب عسكري.

أما إذا كانت الديمقراطية كما تقول الكتب، فالعالم كله لم يعرف شيئاً اسمه الديمقراطية، وكل ما نراه ونسمعه ليس أكثر من مظاهر تستر خلفها عيوباً وفضائح يندى لها الجبين، ولا أتحدث هنا عن دول العالم الثالث التي أبدعت في تفصيل أنظمة ديمقراطية على مقاس كل واحدة منها، بل أتحدث عن دول العالم الحر، ذلك الذي وضع نفسه في مقدمة البشر، ومع ذلك تظهر كل فترة شوائب أنظمتها الصادرة عن مجالسها المنتخبة، وتنكشف أساليب التحايل على القوانين، ويتساقط الضحايا من بين الذين يعترضون على الإجراءات المغطاة بأردية ديمقراطية.

آخر انتخابات رئاسية في الولايات المتحدة شهدت وقائع تشبه ما يحدث في الدول المتخلفة، اختفت صناديق اقتراع، وقُبل تصويت بالبريد، وخرجت مظاهرات احتجاج، واحتلت قاعة مجلس النواب، وفي 2004 حصل الرئيس على ولاية ثانية بعد فرز الأصوات في إحدى الولايات يدوياً تحت إشراف شقيقه الحاكم، ومنذ 60 عاماً قتل رئيسها المنتخب ديمقراطياً في وضح النهار، وحتى الآن لم يستكمل التحقيق وهذه الدولة القائدة للعالم الحر نستشهد بها لأنها قدوة العالم، وصاحبة التقارير السنوية التي تقيم التزام دول العالم في مجال الحريات والتطور الديمقراطي!

الديمقراطية اقتناع وممارسة وليست بنوداً في مناشير رسمية صماء. والديمقراطية شراكة وعدالة وليست مظاهر جذابة!

Email