من التاريخ إلى الآخرة

ت + ت - الحجم الطبيعي

كانت المسلسلات التاريخية محور اهتمام محطات التلفزيون في رمضان، والتاريخ يشمل الأماكن والشخصيات، دولاً قامت وتسيدت، وقادة برزوا وحفروا أسماءهم في ذاكرة الأمة، ليس في جانب الدين فقط، بل في الشؤون السياسية والعسكرية والأدب والشعر والفن، علماء وصعاليك، ملوكاً ودعاة، مفكرين ومناضلين، حضارات وحركات خارجة على الملة، ذلك التاريخ المشوق، والذي يحتاج كل جيل أن يتعرف عليه، ولا يعني ذلك أن نغوص في الفترات السحيقة من التاريخ لننبشه ونخرج ما يعجبنا، بل كان تاريخنا الحديث حاضراً أيضاً، وكان ارتباط الجمهور بالأعمال الفنية «المتعوب عليها» ملفتاً للنظر، ومنها الدراما التي كانت حتى بدايات التسعينيات تسند ظهرها على مكتسبات التاريخ وحياة الأزمنة التي سبقتنا، فهي التي أوصلتنا إلى ما نحن فيه، هي الجذور ونحن الامتداد، ومن سيأتون بعدنا بحاجة إلى ما يربطهم بنا.

وكانت المسلسلات الخفيفة وبرامج الهزل والضحك موجودة، فالترفيه لا يخلو أي زمان منه، ومع ذلك كان فناً راقياً، يضع حدوداً واضحة بين المحتوى والاحترام الواجب للجمهور، بخلاف ما يحدث اليوم، حيث مسحت تلك الحدود، وتداخلت المفاهيم حتى اختلط عند المؤلفين والمنتجين الحق والباطل، أو لنقل المباح وغير المباح، النافع والمضر، المفيد والمسيء، ونسي من سلموا أمانة الدخول إلى المنازل دون استئذان أنهم يقدمون رسائل بناء إلى المجتمع وليس وسائل هدم!

حتى الأحاديث الدينية أفرغوها من محتواها، علماء وفقهاء ومشاهير في وسائل التواصل، يجلسون وسط ديكور جميل، ويسردون قصصاً أو يقدمون نصائح، لا تحقق غاية ولا تصيب هدفاً، كلام مرسل لبضع دقائق ثم يودعك ذلك الشيخ الوقور وكأن حملاً ثقيلاً رفع عن كاهله، وهناك من ترى جديته، ينفعل ويتفاعل مع الموضوع الذي يطرحه، فهو يأخذنا في رحلة إلى الدار الآخرة وما سيحدث بعد الموت!

وغداً بإذنه تعالى نكمل.

Email