مكابرة الكبار

ت + ت - الحجم الطبيعي

كانت أمام العالم فرصة ذهبية، ليثبت خلالها أنه ذاهب إلى التعايش السلمي، بدلاً من الصراع المستمر حول الهيمنة والنفوذ والتسلط.

كانت جائحة «كورونا» نقطة ارتكاز، لتجربة توحد العالم حول هدف واحد، بعيداً عن التحالفات والانتماءات والسياسة، لأنها كانت- ولا تزال- تضرب الجميع، ولا تنتقى أو تختار من تريد، وتترك من لا تريد، ولا تفرق ما بين قوي أو ضعيف، ولا تميز بين الغني والفقير، ولا تفهم في فروقات الألوان والأجناس واللغات، هي تتحدث بلغة واحدة، وعلى العالم أن يفهم لغتها، ولكنه لم يفهم، ولم يستغل فرصة جاءت إليه من دون أن يتعب نفسه، وأصر على أن يبني المواجهة مع الجائحة على حجم العلاقات والارتباطات من جهة، ومن الجهة الأخرى على الخلافات والعداوات والمنافسات التجارية!

كابر الكبار، كل الكبار، فأوصلوا العالم إلى هذه النقطة التي نقف عندها، وهم قادة الحضارة، هكذا يفترض، ولم يخجلوا من الأرقام، التي تعلن في بلادهم، أعمتهم المادة، ولم يحصوا عدد الذين ماتوا نتيجة استهانتهم بذلك الفيروس، وشقوا صف العلماء والباحثين في المختبرات، والمراكز العلمية، واستمروا في البحث عن بؤر توتر جديدة، تتصدر الأخبار، حتى يسوقوا لأنفسهم ولسلاحهم وقوتهم، حركوا القوافل العسكرية، وتناسوا حملات التطعيم، وإيصال الدواء إلى المصابين بالفيروس، خطر داهم يترك، وأخطار كارثية يسعون إليها، صراعهم فتح جبهات جديدة، تنذر بحروب مدمرة، فهم الكبار، يحق لهم أن يتلاعبوا بالعالم، وشعوبهم من ضمن هذا العالم، ولم يحزنوا على ما أصاب شعوبهم، فهم يتحدثون عن تداعيات «كورونا»، ولا يتحدثون عن تراخيهم في إنقاذ ما يمكن إنقاذه، حتى كادوا أن يعيدوا تلك المقولة، التي قيلت ذات يوم «يموت نصف الناس ليعيش النصف الآخر»، وكأن النصف الآخر لم يفقد أحبته مع النصف، الذي ضحى به من كان يفترض أن يكونوا حماة له.

Email