الجمعة الجامعة

ت + ت - الحجم الطبيعي

مرت الجمعة الأولى لنظام العمل الجديد، فما الذي اختلف؟

لا شيء، من ذهبوا إلى مقرات عملهم لم يشعروا بأي تغيير، كيّفوا أنفسهم مع الالتزام الوظيفي ومع أداء صلاة الجمعة، وأسعفهم الوقت الفاصل، فذهبوا إلى الجامع دون أن يسابقوا الدقائق ليلحقوا على الخطبة والصلاة، كما اعتادوا في السابق، حيث يقفزون من فراشهم ويتراكضون لتدارك الوقت.

ومن يعملون عن بعد خضوعاً لقوانين كورونا ومتحوراتها، تواصلوا مع جهات عملهم، وقضوا الساعات الأربع دون أن يشعروا باختلاف الجمعة عن الأربعاء، أو الإثنين أو الخميس، ووجدوا متسعاً من الوقت للاستعداد والتجهيز للصلاة وسط شعور يختلف عن العادات التي كانت تحركهم طوال عمرهم.

الجمعة بروحانيتها لم تتغير، وروائح العود والبخور والهدوء والسكينة تكمل الإحساس لدى الناس بأهمية هذا اليوم ومكانته، والبيوت الكبيرة لم تغير عاداتها، الجدة تشرف على الاستعدادات لاستقبال الأبناء والبنات والأحفاد، وتخوض صراعاً مع الوقت لتجهز مائدتها، ويتطلع الجد للتجمع الذي لم ينقطع أبداً، فقد عاشه وبكل تفاصيله عندما كان شاباً، ويتذكر لهفة أبيه وهو ينتظر أحفاده، تماماً كما يشعر هو الآن.

الجمعة ثابتة في مكانها، لن تذهب يميناً أو يساراً، والظروف هي التي تغيرت، متطلبات العمل والمصلحة العليا للبلاد استدعت تغييراً في أيام العمل والإجازات الأسبوعية، وهذا شيء ليس بجديد، فهناك مهن كثيرة تتطلب تواجد العاملين في أوقات مختلفة ومتداخلة مع مواعيد العبادات والالتزامات الاجتماعية، وضبطت الساعات بناء على ذلك، في الجوازات والجمارك والشرطة والموانئ والمستشفيات وطوارئ الكهرباء والماء والبلديات والصحف والإذاعات ومحطات التلفزيون والنقل العام، وغيرها من المهن، ولم يحدث أن تعارض العمل مع أداء الطاعات والواجبات، وعندما أتذكر ما مر عليّ في حياتي بكل أحداثها، أرى وكأن كل شيء قد حدث بالأمس، فقد صلينا الفروض اليومية وصلاة الجمعة سنين طويلة في الصحف التي عملنا فيها، وصلينا الجمعة في أقسام الطوارئ بالمستشفيات لظروف مررنا بها، وفي المطارات وفي البر أو على شاطئ البحر، ولم يتغير علينا شيء، فالعلاقة بين العبد وربه موصولة بما في القلب.

Email